هو الجميل بذاته والكامل بذاته، وهو الجمال الخالص، والكمال المطلق، وحقيقتهما منحصرة به - تعالى -، وما يوجد في غيره - تعالى - من الجمال والكلام لا يخلو من شوائب الخلل والنقصان، إذ النقص شامل لجميع الممكنات، وإنما تتفاوت في درجات النقص. وقد عرفت أن الجمال المعنوي أقوى من الجمال الصوري: ومن كان أهل البصيرة والكمال يكون حبه للجمال الباطن المعنوي أكثر وأقوى من حبه للجمال الصوري، وحقيقة الجمال المعنوي الذي هو وجوب الوجود، وكمال العلم والقدرة، والاستيلاء على الكل، واستناد الجميع إليه، منحصر بالله - تعالى -، فإذا كان الجمال المشوب بالنقص محبوبا، فكيف لا يكون الجمال الخالص البحت الذي لا يتصور جمال فوقه محبوبا، بل المحبوب حقيقة ليس إلا هو.
باده خاك آلودتان مجنون كند * صاف اگرباشد ندانم جون كند (11) على أن كل جميل بالجمال الظاهر الصوري أو بالجمال الباطن المعنوي رشحة من رشحات جماله، وكل كامل فكماله فرع كماله، فكل من أحب جميلا أحب خالقه، وما أحب أحدا غير الله - تعالى -، لكنه أحتجب عنه تحت وجوه الأحباب وأستار الأسباب، هذا مع أن عمدة جمال المخلوقين إنما هو علمهم بالله وبصفاته وأفعاله، وقدرتهم على إصلاح نفوسهم بإزالة الرذائل والخبائث الشهوية المانعة عن التقرب إلى الله - تعالى - وباتصافهم بمعالي الصفات وشرائفها المقربة إلى الله، وعلى إصلاح عباد الله بالارشاد والسياسة، ومعلوم أن هذه الأمور إضافات إلى الله - سبحانه -، فحبها يرجع إلى حبه - تعالى -.
وأما الخامس - أعني المناسبة الخفية والمجانسة المعنوية: فلا ريب في أن للنفس الناطقة الإنسانية مناسبة مجهولة خفية مع باريها وموجدها، إذ هي شعلة من شعلات جلاله، وبارقة من بوارق جماله، ولذا قال الله سبحانه:
(قل الروح من أمر ربي) (15). وقال: (إني جاعل في الأرض