الجبابرة وطواغيتها وصاروا إلى أهل نعمة مذكورة وكرامة ميسورة وأمن بعد خوف وجمع بعد كون، وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان، وأولجناهم باب الهدى وأدخلناهم دار السلامة وأشملناهم ثوب الإيمان، وفلحوا بنا في العالمين، وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد ومصل قانت ومعتكف زاهد، يظهرون الأمانة ويأتون المثابة حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) ورفعه إليه لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة أو وميض من برقه، إلى أن رجعوا على الأعقاب، وانتكصوا على الأدبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الكتاب وردموا الباب وقلوا الديار وغيروا آثار الرسول (صلى الله عليه وآله) ورغبوا عن أحكامه وبعدوا عن أنواره واستبدلوا بمستخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممن اختاره الرسول (صلى الله عليه وآله) لمقامه، وإن مهاجر آل أبي قحافة خير من مهاجري الأنصاري الرباني، ناموس هاشم بن عبد مناف، ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان رجعوا عن ذلك وقالوا: إن رسول الله مضى ولم يستخلف، وكان رسول الله الطيب المبارك، أول مشهود عليه بالزور في الإسلام، وعن قليل يجدون غب ما أسسه الأولون، ولئن كانوا في مندوحة من المهل وشفاء من الأجل وسعة من المنقلب واستدراج من الغرور وسكون من الحال وإدراك من الأمل، فقد أمهل الله عز وجل شداد بن عاد وثمود بن عنود وبلعم بن باعور، وأسبغ عليهم نعمة ظاهرة وباطنة وأمدهم بالأموال والأعمار وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله وليعرفوا الإهابة له والإنابة إليه، ولينتهوا عن الاستكبار، فلما بلغوا المدة واستتموا الأكلة أخذهم الله عز وجل واصطلمهم، فمنهم من خصب ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من أحرقته الظلمة ومنهم من أوردته الرجفة ومنهم من أردته الخسفة * (فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * (1) ألا وإن لكل أجل كتابا فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لكم عما هو إليه الظالمون وآل إليه الأخسرون لهربتم إلى الله مما هم عليه مقيمون، إليه صائرون.
ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون، وكباب حطة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قوم نوح، وإني النبأ العظيم والصديق الأكبر وعن قليل ستعلمون ما توعدون، وهل هي إلا كلقمة الأكل ومذقة الشارب وخففة الوسنان، ثم تلتزمهم المفرات خزي في الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون، فما جزاء من تنكب محجته وأنكر حجته