مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٥٦٥
ان كان غافلا من التنافي أو معتقدا عدمه فاما ان يكون منشا غفلة المسامحة وعدم المبالاة بالدين كغفلة المنهمكين في شرب الخمر مثلا عن حرمتها من باب عدم المبالاة بالحرمة أو منشاها الاغترار بقول من يحسنون به الظن كالهمج الرعاء الذين قلدوا رؤسائهم ومشايخهم في قتل الحسين (ع) والخروج؟؟ عليهما السلام فاخذوا بقولهم نبذوا ما بلغهم عن الله ورسوله في فضلهما وراء ظهورهم فحالهم حال عوام اليهود الذين قلدوا علمائهم في تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وعلمائهم كعلمائهم فلا ينبغي الاستشكال في كفرهم بعد فرض علمهم بقول النبي (ع) وعدم اعتنائهم به سواء كان مبناه المسامحة أو التقليد اللهم الا ان يكون حسن الظن بمقلده موجبا للتشكيك في ما اراده النبي صلى الله عليه وآله بقوله لافى صحة القول وعدم الايمان به على الاطلاق فيكون معترفا بما اراده النبي صلى الله عليه وآله بمقتضى تصديقه الاجمالي لا بظاهر قوله وسيأتي الكلام في حكم هذه الصورة واما ان يكون منشأ الغفلة غفلته عن مقام النبوة وتوهم كون الحكم الخاص الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله ناشئا من اجتهاده أو ميله النفساني فخطأه في ذلك غفلة عن كونه ردا؟ على النبي بل تكذيبا لله [تع] في قوله وما ينطق عن الهوى فهذا النحو من الأفكار قد يكون بدويا يرتدع المنكر عنه بمجرد الالتفات إلى نبوته وما يقتضيه تصديقه الاجمالي وقد يكون مستقرا ناشئا مما بنى عليه من اجتهاد النبي صلى الله عليه وآله في بعض الأحكام كما أن العامة بحسب الظاهر لا يستنكرون ذلك بل ربما يدعون صدور الخطاء منه في مواطن عثر عليه رئيسهم فأرشده إلى الصواب واهتدى به النبي صلى الله عليه وآله وكيف كان فإن كان هذا في الأحكام الشرعية وغيرها من الأمور المتعلقة بمنصب النبوة أي ما كان الاخبار فيها اخبارا عن حكم الواقعة بلحاظ كونه نبيا فلا ينبغي الاستشكال في كونه موجبا للكفر بناء على وجوب تصديقه في جميع ما جاء به كما هو الظاهر من النصوص والفتاوى إذ لا اعتبار بالاعتراف الاجمالي بصدقه في ما جاء به مع الرد عليه في الموارد الخاصة كما هو ظاهر لكن هذا في الانكار المستقر المبنى على تخطئة النبي صلى الله عليه وآله واما الانكار البدوي الناشئ من الغفلة عن نبوته فهو على الظاهر بمنزلة ما لو انكر على شخصه حكما شرعيا وهو لا يعرفه فهو غير مناف لتصديقه الاجمالي كما أنه لا ينافي ذلك لو انكر شيئا ضروريا بناء منه على أن ما هو المعروف عند الناس مغاير لما اراده النبي صلى الله عليه وآله كما لو زعم أن مراده من الصلاة التي أوجبها مطلق الدعاء ولكن الناس اشتبهوا فزعموا أن مراده الأركان المخصوصة فهو معترف اجمالا بحقية ما زعمه الناس صلاة على تقدير كونه مراد النبي صلى الله عليه وآله لكنه يزعم أنه صلى الله عليه وآله لم يرده كما هو الشان في جميع الأحكام الواقعية التي ينفيها المجتهد بالأدلة الاجتهادية فان انكاره لها لا يقدح في ايمانه بالرسول في جميع ما اتى به لا لما توهمه بعض من أن التعبد بالاحكام الظاهرية أيضا مما اتى به الرسول فيكون مصدقا له في هذه الأحكام بل لما أشرنا إليه من عدم التنافي إذا التزم بخطائه على تقدير مخالفة قوله لقول الرسول غاية الأمر انه اعتقد عدم المخالفة ولا ضير فيه ولذا لو أنكرها العوام أيضا أو المجتهد بظنون غير معتبرة لا يوجب كفره وهذا النحو من الانكار الغير المنافى للتصديق الاجمالي يتصور على انحاء فإنه تارة يأول كلام النبي صلى الله عليه وآله متشبثا بقواعد لفظية أو قرائن عقلية أو نقلية حالية أو مقالية يزعم صلاحيتها للقرينية لصرف الكلام عرفا فيحمل الكلام الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله على المعنى الذي اراده بواسطة تلك القرائن كما لو ادعى في المثال السابق ان الصلاة لغة هي الدعاء ولم يثبت عندي إرادة غير معناها اللغوي والأصل عدم النقل وهذا النحو من الانكار لا يوجب الكفر بلا شبهة بناء على عدم كونه سببا مستقلا كما هو المفروض تارة يأوله بواسطة بعض الأمور الغير المصالحة للقرينية عرفا كما مثل ما حكى عن بعض الجهال من المتصوفة من انكار وجوب الصلاة ونحوها على مشائخهم الذين أكملوا نفوسهم بالرياضات بزعمهم مدعيا ان المقصود بالعبادات تكميل النفوس فيسقط التكليف عنها بعد الكمال ونظير ذلك ما لو اعترف بظهور الكلام في المعنى المعروف ولكن ادعى صدوره من باب التورية ونحوها من الأمور المقتضية لاظهار خلاف الواقع وحكم هاتين الصورتين كحكم الصورة السابقة ان قلنا بان إرادة خلاف الظاهر مما له ظاهر من غير نصب قرنية ليس بكذب والا ففيه اشكال وان كان الأظهر فيه أيضا عدم الكفر لانصراف ما دل على سببية التكذيب للكفر عن مثل ذلك كما أنه ينصرف عما لو اسند إليه صريحا الكذب المجوز بان قيل إنه كذب في الموارد الكذائي حفظا لنفسه عن القتل وبهذا ظهر انه لو لم يدع التورية والتأويل أيضا (بل حمل كلامه على كونه كذبا صادرا عن تقية لا يكون ذلك أيضا) موجبا للكفر وتارة يأول كلامه بما ينافي الاذعان برسالته على كافة العباد كما لو قيل مثلا بان المقصود ببعث الرسول اللطف واهداء القاصرين إلى ما يقربهم إلى الله فرسالته مقصودة على غير الحكماء الذين يرشدهم عقولهم إلى ما يصلحهم و يفسدهم فالمقصود بالعمومات الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله أقيموا الصلاة ونحوه يراد بها غير مثل هذه الاشخاص وقد حكى عن بعض الفلاسفة محاجته مع عيسى عليه السلام بمثل هذا القول ونظير ذلك ما لو قيل بأنه كان رسولا على الاعراب لا على عامة العباد وكيف كان فمثل هذا الانكار كفر محض فإنه وان لم يكن منافيا للتصديق الاجمالي لأنه يعترف بصدقه على تقدير ادعائه العموم لكنه يزعم أنه لم يدع ذلك الا انه انكار لرسالته في الجملة وهو كانكار أصل الرسالة سبب للكفر بالضرورة فضلا عن شهادة النص والاجماع عليه وقد يكون الانكار ناشئا من الجهل بصدور الحكم من النبي صلى الله عليه وآله رأسا لقرب عهده بالاسلام وعدم مخالطته مع المسلمين وهذا لا ينافي الاقرار بالرسالة المطلقة والتصديق الاجمالي فلا يكون موجبا للكفر بلا شبهة * (فتلخص) * من جميع ما ذكرنا ان انكار الضروري يوجب الكفر ان كان منافيا للاعتراف الاجمالي أو كان موجبا لانكار الرسالة في الجملة والا فلا هذا إذا لم نقل بكون انكار الضروري من حيث هو سببا مستقلا للكفر كما صرح به غير واحد من
(٥٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 560 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 ... » »»