للاستيلاء على الخلافة من بعده، وليعيدوا ترتيب الأوراق من جديد، كان النبي على علم بما يجري، ولما مرض أراد أن يوثق توجيهاته النهائية ويكتبها ليجنب الأمة الشر المستطير والعاصفة التي تنتظر موته، وانتبه النفر الذي استخفته الأكثرية، فداهموا بيت النبي وحالوا بينه وبين كتابة وتوثيق توجيهاته النهائية وقالوا له مواجهة: أنت تهجر ولا حاجة لنا بكتابك ولا بوصيتك لأن القرآن عندنا وهو يكفينا (1) ومات النبي الأعظم، كسير الخاطر، واستولت الأكثرية على السلطة ولكن بقيادة رمز من المحسوبين على رسول الله، وعهد الأول للثاني، وعهد الثاني للثالث وفي عهد الخليفة الثالث استولت الأكثرية على السلطة، وصار الخليفة الثالث مجرد واجهة، وقبض الذين كانوا بالأمس من أشد أعداء الله ورسوله على مقاليد الأمور، ثم جاء معاوية، وأنهى حكم الخليفة الرمز، وأعلن وبكل صلف عودة الملك لمعدنه على حد تعبيره فصارت دولة الخلافة تماما بيد الأكثرية التي كانت بالأمس مشركة، وصارت اليوم مسلمة، وعادت القيادة لأبي سفيان وهو الرجل نفسه الذي قاد وأولاده جبهة الشرك طوال 23 سنة، وهكذا استردت الأكثرية كامل مواقعها التي خسرتها أثناء حربها مع الرسول ومات معاوية وانتقلت القيادة لابنه يزيد تماما كما انتقلت القيادة لأبي سفيان من أبيه أمية ولكن بالمراسيم الإسلامية.
هذه النقلات التكتيكية والإيدلوجية المتتابعة ألهمت إعلام دولة الخلافة إلهاما لم يحظ به إعلام من قبل، لقد أفرز إعلام دولة الخلافة من العجائب والغرائب ما لم يفرزه أي إعلام في التاريخ، فإذا كان إعلام دول الكفر كانت له القدرة على تصوير الأسود بصورة الأبيض!! فقد كان لإعلام دولة الخلافة القدرة الكاملة على تصوير الأسود بصورة كل الألوان!! وإظهار الباطل بمظهر الحق،