التعتيم الرسمي:
السلطة - أي سلطة - بما فيها دولة الخلافة كانت وما تزال تملك السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام، وتملك سيطرة فعلية غير معلنة على كتابة التاريخ، فهي التي تقدر عمليا ما ينبغي أن يكتب وما لا ينبغي، وما ينبغي أن ينشر ويعلم به العامة، وما لا ينبغي، فيبقى سرا ويظل العلم بتفاصيله حصرا على السلطة وأركان دولتها، وكان إعلام الدول من القدرة بحيث أنه يستطيع أن يصور الأسود بصورة الأبيض!!! وأن يقدم الأسود بصورة الأبيض، وأن يبرز الباطل لرعايا الدولة على أساس أنه الحق المبين، وأن يصور أركانه ودعاته على أساس أنهم النماذج البشرية الفذة التي اختارتها قوى غيبية ومقدسة خاصة لقيادة المجتمع وتوجيهه،!!! مثلما كانت له القدرة على تقديم الحق لرعايا الدولة بصورة الباطل الزهوق، وتقديم دعاته باحتقار بالغ وتصويرهم بصور الحثالة، أو الأراذل الذين خرجوا على مجتمعهم الموحد، وحاولوا أن يشقوا صفوفه، وأن يفرقوا جمعه!! إنه إعلام قذر، مسلح بالكفر الصراح، لا يجد حرجا ولا غضاضة من استعمال أية وسيلة لإقناع الجميع بما خطط له وأراد، وغني عن البيان أن السلطة أو الدولة في كل أمة تملكها أو تدعي ملكيتها الأكثرية في هذه الأمة أو تلك، لذلك فإن إعلام كل دولة مسخر ليكون الناطق الرسمي باسم تلك الأكثرية. والتاريخ المكتوب لكل أمة ما هو إلا تسجيل لانتصاراتها وإنجازاتها، وقدرتها على سحق الأقلية وازدرائها.
ومن هنا، وهذا هو السر في عدم معرفتنا بأشخاص الأقليات من كل أمة، وسيرهم الشخصية، وتفاصيل الموقف المشرف الذي اتخذه كل فرد من أفراد تلك الأقليات، لأن تاريخ الأمم وإعلامه، تعمد التعتيم على كافة جوانب العز والعظمة التي تميز بها كل فرد من أفراد تلك الأقليات، لقد حول إعلام الدول عز الأقلية إلى هوان، وكبرياءها إلى ذل، وحصافتها إلى جنون!! وعزمها على التغيير إلى عبث بوحدة المجتمع، ومحاولة لبعثرة جمعه!!.