صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ٣٧١
لا يشبه ظرف أخيه منهما، فكان من طبيعة اختلاف الظرفين اختلاف شكل الجهادين، واختلاف النهايتين أخيرا.
1 - ظروفهما من أنصارهما ومثلت خيانة الأصدقاء الكوفيين، بالنسبة إلى الحسين عليه السلام خطوته الموفقة في سبيل التمهيد لنجاحه المطرد في التاريخ، ولكنها كانت بالنسبة إلى أخيه الحسن عليه السلام - يوم مسكن والمدائن - عقبته الكؤود التي شلت ميدانه عن تطبيق عملية الجهاد. ذلك لان حوادث نقض بيعة الحسين كانت قد سبقت تعبئته للحرب، فجاء جيشه الصغير يوم وقف به للقتال، منخولا من كل شائبة تضيره كجيش امام له أهدافه المثلى.
أما الجيش الذي أخذ مواقعه من صفوف الحسن، ثم فر ثلثاه ونفرت به الدسائس المعادية، فإذا هو رهن الفوضى والانتقاض والثورة، فذلك هو الجيش الذي خسر به الحسن كل أمل من نجاح هذه الحرب.
ومن هنا ظهر أن هؤلاء الأصدقاء الذين بايعوا الحسن وصحبوه إلى معسكراته كمجاهدين، ثم نكثوا بيعتهم وفروا إلى عدوهم أو ثاروا بامامهم، كانوا شرا من أولئك الذين نكثوا بيعة الحسين قبل ان يواجهوه.
وهكذا مهد الحسين لحربه - بعد أن نخلت حوادث الخيانة أنصاره - جيشا من أروع جيوش التاريخ اخلاصا في غايته وتفاديا في طاعته وان قل عددا.
أما الحسن فلم يعد بامكانه أن يستبقي حتى من شيعته المخلصين أنصارا يطمئن إلى جمعهم وتوجيه حركاتهم، لان الفوضى التي انتشرت عدواها في جنوده كانت قد أفقدت الموقف قابلية الاستمرار على العمل، كما أشير اليه سابقا.
وأي فرق أعظم من هذا الفرق بين ظرفيهما من أنصارهما؟.
2 - ظروفهما من أعدائهما وكان عدو الحسن هو معاوية، وعدو الحسين هو يزيد بن معاوية. وللفرق بين معاوية ويزيد ما طفح به التاريخ، من قصة البلادة السافرة في " الابن ". والنظرة البعيدة العمق التي زعم الناس لها الدهاء في " الأب ".
وما كان لعداوة هذين العدوين ظرفها المرتجل مع الحسن والحسين، ولكنها الخصومة التاريخية التي أكل عليها الدهر وشرب بين بني هاشم وبني أمية.
ولم تكن الأموية يوما من الأيام كفوا للهاشمية (1). وانما كانت عدوتها التي تخافها على سلطانها، وتناوئها - دون هوادة -. وكان هذا هو سر ذكرها بإزائها في أفواه الناس وعلى أسلات أقلام المؤرخين. والا فأين سورة الهوى من مثل الكمال؟ وأين انساب الخنا من المطهرين في الكتاب؟. وأين شهوة الغلب، وحب الأثرة، وألوان الفجور، من شتيت المزايا في ملكات العقل، وسمو الاخلاق، وطهارة العنصر، وآفاق العلوم التي تعاونت على تغذية الفكر الانساني في مختلف مناحي الثقافات العالية، فأضافت إلى ذخائره ثروة لا تطاول؟. أولئك هم بنو هاشم الطالعون بالنور.
وأين هؤلاء من أولئك؟.
ولم يكن من الاحتمال البعيد ما قدره الحسن بن علي احتمالا قريبا، - فيما لو اشتبك مع عدوه التاريخي معاوية بن أبي سفيان بن حرب في

(1) قال أمير المؤمنين عليه السلام فيما كتبه إلى معاوية جوابا: " ولم يمنعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء، ولستم هناك، وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب، ومنا أسد الله ومنكم أسد الاحلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنا سيدة نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب، إلى كثير مما لنا وعليكم ".
(٣٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 370 371 373 374 » »»