وبقيت آخر فقرة من المعاهدة، تحاماها معاوية لأنها كانت أدق شروطها حساسية وأروعها وقعا. وكان عليه إذا أساء الصنيع بهذه الفقرة ان يتحدى القرآن صراحة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة.
فصبر عليها ثماني سنين، ثم ضاق بها ذرعا، وثارت به أمويته التي كان لا يزال يصارع لصاقتها، بأمثال هذه الأفاعيل، ليعود بها أموية صريحة تشهد لهند بالبراءة من قالة الناس وشهادات المؤرخين، وليكون ابن أبي سفيان حقا!.
فما لابن أبي سفيان ولرسول الله؟. وما لابن هند وكتاب الله؟.
وكانت مطفئة الرضف التي أنست الناس الرزايا قبلها.
ثم هي أول ذل دخل على العرب - كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه -.
بل أول ذل دخل على الناس - كما قال أبو اسحق السبيعي رحمه الله -.
وكانت بطبيعتها، أبعد مواد المعاهدة عن الخيانة، كما كانت بظروفها وملابساتها أجدرها بالرعاية. وكانت بعد نزع السلاح ولف اللواء والالتزام من الخصم بالوفاء، أفظع جريمة في تاريخ معاوية الحافل بالجرائم.
وما في المدينة - موطن الحسن عليه السلام - ولا في أهل البيت، ولا في شيعة الحسن، ولا في جميع ما يمت إلى الحسن بسبب أو نسب، أي موجب يستدعي الوهم، أو يوقظ الريبة، أو يثير الظنون بأمر يخشاه معاوية على دنياه.
إذا، فما هذا الغدر وما هو العذر؟..
وأين تلك العهود والعقود والايمان التي لا تبلغ قواميس اللغة أشد منها ألفاظا غلاظا وتأكيدا شديدا؟.
ترى، فهل نعتذر عن معاوية بما اعتذر به الاغرار المنسوبون إلى الاسلام عن ابنه يزيد في قتله الحسين ابن رسول الله عليه وعلى جده أفضل الصلاة والسلام، فقالوا: " شاب مغرور، ألهته القرود وغلبت عليه الخمور والفجور؟. ".