مع المصطفى - الدكتورة بنت الشاطئ - الصفحة ٤٦
وأرخى الزمن للزوجين السعيدين خمسة عشر عاما، ارتوى فيها محمد من نبع الحنان معوضا حرمان ماض جاف ظامئ، ومتزودا لغد مقبل، حافل بالجهاد والشواغل الجسام.
ووعت مكة من أخبار تلك المرحلة، مشهد محمد بن عبد الله إذ يدخل البيت العتيق ذات يوم، وهو في نحو الخامسة والثلاثين من عمره، فإذا الاحياء من قريش هناك في ساحة الحرم، قد احتدمت بينهم خصومة أنذرت بشر:
كانت الكعبة، قبل ذلك اليوم، قد مستها شرارة تطايرت من مجمرة إحدى النساء، فأحرقت ستائرها وأوهت بنيانها. ووقفت قريش تجاه حرمها الأقدس مكتوفة الأيدي لا تدري ماذا تصنع، حتى شاع خبر عن سفينة رومية جنحت إلى جدة، فسعى إليها رجال من قريش، وعادوا بأخشاب السفينة، ومعهم رجل قبطي كان فيها، نجار بناء.
وتم الاستعداد لتجديد الكعبة، ولكن قريشا عادت فتهيبت أن تهدم بقايا البناء القديم. حتى قام (الوليد بن المغيرة المخزومي) فأخذ المعول وقال:
(اللهم لم نزغ، اللهم إنا لا نريد إلا الخير).
ثم أهوى بالمعول والقوم ينظرون إليه مرتاعين، خائفين عليه وعلى أنفسهم جميعا. فلما لم يصبه سوء، أبوا إلا أن يتربصوا ليلتهم تلك ليروا عاقبة ما كان. وأصبح (الوليد) بخير لم يمسسه سوء، فهدم وهدم الناس معه.
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 51 52 ... » »»
الفهرست