رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١
عندما أعلنت بطون قريش الثلاثة والعشرين عن وقوفها وقفة رجل واحد ضد محمد ودينه الجديد: جمع أبو طالب الهاشميين والمطلبيين وشكل منهم جبهة واحدة وأعلن باسمهم، بأنهم مع محمد، وأعلن حماية هذين البطنين له (1). وأعلن: أما بطون قريش فإنها إن فكرت بقتل محمد فإن الهاشميين والمطلبيين سيقاتلون حتى الفناء التام (2). وأبعد من ذلك فإن أبا طالب قد قال للنبي وباسم الهاشميين والمطلبيين، وعلى مسمع من زعامة قريش: يا بن أخي إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح (3).
وزيادة في الإحتياط، فإن أبا طالب كلف أولاده بأن يرافقوا النبي دائما ويفدوه بأرواحهم (4).
وباسم الهاشميين والمطلبيين، واعتمادا على نصرتهم للنبي: خاطب أبو طالب ابن أخيه محمدا (ص) أمام زعامة قريش قائلا:.
والله لن يصلوا إليك بجمعهم - حتى أوسد في التراب دفينا.
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة - وأبشر بذلك وقر منك عيونا.
ودعوتني، فعلمت أنك ناصحي - ولقد دعوت وكنت ثم أمينا.
ولقد علمت بأن دين محمد - من خير أديان البرية دينا (5).
لقد ملأ أبو طالب بطاح مكة بالتهديد والوعيد، وحذر قريشا من مغبة الحرب حتى الفناء التام: إن هي مست شعرة واحدة من جسد النبي، وقد أشيع يوما بأن محمدا قد قتل، فجمع أبو طالب فتية بني هاشم وبني المطلب وأعطى لكل واحد منهم حديدة صارمة، وكلفه بأن يقف خلف زعيم من زعماء قريش، وأن ينتظروا الإشارة منه، فإذا صدرت الإشارة يقتل كل فتى الزعيم الذي يقف خلفه، وبينما كان أبو طالب يستعد لقتل زعماء البطون، جاءه الخبر بأن محمدا حي وبخير، وأن إشاعة قتله غير صحيحة، ولما تأكد أبو طالب من سلامة النبي نادى زعماء قريش قائلا: أتدرون ما هممت به؟ قالوا: لا، فأخبرهم الخبر، وقال للفتية الهاشميين: أكشفوا عما في أيديكم، ثم قال: والله لو قتلتموه ما أبقيت منكم أحدا حتى نتفانى

١ - الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١، ص ١٨٦.
٢ - نفس المصدر، وتاريخ ابن الأثير والسيرة الحلبية ج ١، ص ٣٠٤.
٣ - راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢، ص ٢٧.
٤ - سيرة ابن هشام ج ١، ص ٢٦٥: وتاريخ الطبري ج ٢، ص ٢١٤: والإصابة لابن حجر ج ١، ص ١١٦.
٥ - رواها الثعلبي في تفسيره، وراجع خزانة الأدب للبغدادي ج ١، ص ٢١٦: وتاريخ ابن كثير ج ٣، ص ٤٢: وتاريخ أبي الفداء ج ١، ص ١٢٠ وفتح الباري ج ٧، ص ١٥٣، والغدير ج ٧، ص 374.
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»