رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠
سيدها وحكيمها حتى مات، وكانت قريش تسعى جاهدة لإبطال مفاعيله، فكانت تتكارم لتحاكي الكرم الهاشمي، وتتفاخر لتقلد الفخر الهاشمي، وتتصنع الحكمة لتردم الحكمة الهاشمية.
ولما جهر النبي الأكرم (ص) بالنبوة، فقدت قريش صوابها، وقررت أن تقف وقفة رجل واحد لإبطال النبوة الهاشمية، أو إجهاضها.
إلتقى ابن أبي شريف مع أبي جهل فقال له: أترى محمدا يكذب؟ فقال له أبو جهل: كيف يكذب على الله وقد كنا نسميه الأمين، لأنه ما كذب قط؟ ولكن إذا اجتمعت في بني عبد مناف السقاية والرفادة والمشورة، ثم تكون فيهم النبوة: فأي شئ يبقى لنا؟ وكان أبو سفيان يقول: كنا وبنو هاشم كفرسي رهان، كلما جاءوا بشئ جئنا بشئ مقابل، حتى جاء منهم من يدعي بخبر السماء فأنى نأتيهم بذلك؟! (1).
لقد اعتبر زعماء قريش عامة والزعماء الأمويون خاصة، أنهم المتضررون من هذا الدين الجديد، فقد اعتبروا - مخطئين - أن النبوة الهاشمية موجهة ضدهم، وأن غايتها منصبة على استبدال زعامة قريش بزعامة محمد الهاشمية، وإقامة ملك محمد على أنقاض ملك قريش، وإلغاء الصيغة السياسية الجاهلية على اقتسام مناصب الشرف بينها، وإلغاء القيادة الأموية، وإقامة نظام جديد يعطي الهاشميين الحق بالتمتع بكل مناصب الشرف وحيازتها، ويعطي لمحمد القيادة بدلا من أبي سفيان، وهكذا ينال الهاشميون شرف النبوة والملك معا (2).
موقف قريش من الدعوة، وتصدي أبي طالب لها.
اتفقت قريش على معاداة النبي (ص) ودعوته، وكان البطن الأموي أكثر البطون القريشية إندفاعا بهذه المعاداة، فزعمت أن محمدا شاعر، وأنه مجنون وأنه كاهن، وأنه ساحر، وأنه يدعي النبوة ادعاءا، وأنه (حاشا له) كاذب، وأن القرآن الذي جاء به ما هو إلا أساطير الأولين، وأنه ينبغي على بني هاشم - إذا ما أرادوا أن ينجوا من غضب قريش - أن يسلموا محمدا لها.
وقد شرعت قريش بسلسلة من الإجراءات ترجمت ترجمة عملية مواقفها المعلنة، كان أخطرها، محاصرة الهاشميين في شعب أبي طالب ثلاث سنين في بداية الدعوة المباركة - لغرض إجهاضها وإخضاع النبي لها - ومقاطعتهم، مما اضطرهم لأن يأكلوا ورق الشجر من الجوع.
وقد اختارت كل بطن من البطون القريشية فتى ليشترك في قتل النبي (ص)، فيضيع دمه بين العشائر، ولا يقوى الهاشميون على المطالبة بدمه.

1 - كما نقلها الحسيني في كتاب (شيعني الحسين) ص 106 عن ابن الأثير في تاريخه.
2 - راجع الكامل لابن الأثير ج 3، ص 24، آخر سيرة عمر من حوادث سنة 23.
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»