التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٢٠٢
والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى، فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب (1).
... وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا (2).
* من هذا المنطلق الثابت في الفكر الإسلامي، ومن البشائر المحددة في الكتاب الكريم والسنة النبوية بفرج شامل آت في النهاية يملأ عدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا... من هذا المنطلق، ومن هذه البشائر كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يرى نور الأمل في المستقبل، وكان يبشر بأن فرجا آتيا لا ريب فيه:
إن حركة التاريخ تقضي به، وإن وعد الله يقضي به، والله لا يخلف الميعاد.
وقد كانت رؤية الإمام لحركة التاريخ في المستقبل لا تقتصر على رؤية النكبات والكوارث - كما توحي بذلك كثرة النصوص الحاكية عن ذلك في نهج البلاغة - وإنما تشمل البشائر أيضا، وقد تقدم في الحديث عن (المعاناة) وعن (الثورة) بعض النصوص الدالة على ذلك.
وكانت رؤية الإمام دقيقة، محددة، مضيئة، واضحة المعالم، في نطاق الخطوط الكبرى والتيارات الأساسية لحركة التاريخ، وإن لم تشتمل على التفاصيل، من ذلك هذا الشاهد على رؤيته لحركة الثورة العادلة التي لا تنطفئ مهما تكالبت عليها الرياح الهوج، فقد قال له بعض أصحابه، لما أظفره الله بأصحاب الجمل: وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك فقال له الإمام (ع):
أهوى أخيك معنا (3)؟ فقال: نعم. قال: فقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان (4) ويقوى بهم الإيمان (5).

(1) سورة الزمر (مكية - 39) الآية: 17 - 18.
(2) سورة الأحزاب (مدنية - 33) الآية: 47.
(3) الهوى: الميل والرغبة، يعني هنا الموقف السياسي.
(4) يرعف بهم.. يوجدون في المجتمع من غير أن يتوقع وجودهم لاختلافهم النوعي الأساسي عن الأخلاقية والذهنية السائدة في المجتمع، فيفاجأ المجتمع بوجودهم.
كما يفاجئ الرعاف صاحبه.
(5) نهج البلاغة - رقم النص: 12.
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 197 198 199 200 201 202 203 204 205 » »»