الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١٧٢
التمدن شرع الاسلام القصاص ممن قتل عمدا، إلا أن يرضي ورثة القتيل بالدية. ولقد تعرض هذا القانون لنقد شديد من جانب رجال القانون في العصر الحاضر، وأهم ما يستدلون به: أن معنى هذا التشريع أن تضيع نفس أخرى، بعد أن ضاعت الأولى بالفعل، ودفعهم هذا إلى إلغاء نظام (الأعدام شنقا) في كثير من البلاد.
ان القانون الذي يقرره الاسلام له فائدتان هامتان:
أولاهما: أن تستأصل جذور هذه الجريمة، لأن أحدا من الآخرين لن يندفع إلى ارتكابها مرة أخرى نظرا للعاقبة الوخيمة التي لقيها أحد أفراد المجتمع (1).
وأما الثانية: فهي الدية، وقد راعى المشرع النتائج مراعاة تامة، فلو قتل الابن الوحيد لشيخ، فعلى القاتل أن يدفع لوالد المقتول مبلغا من المال يرضيه، فيعفوا عن الجريمة لقاء المبلغ الذي تقاضاه. وقد جعل التشريع الاسلامي حقا للدولة أن تأمر برفع مبلغ الدية، اخمادا لنار الثأر.
ان هذا التشريع حكيم لدرجة عظيمة، وتجربته تؤكد أن غريزة القتل قد قضى عليها في أي بلاد طبقته، كما أكدت التجارب أيضا أن أي بلاد ألغت هذا التشريع قفزت فيها جرائم القتل إلى نسب خيالية، حتى أن نسبة الاغتيالات قد ارتفعت في بعض هذه الدول إلى اثنتي عشرة في المائة.
وهناك أمثلة أخرى عديدة: بلاد ألغت عقوبة القصاص، ولكنها عادت فأقرته مرة أخرى، نظرا للعواقب. فقد أصدر البرلمان السيلاني قانونا سنة 1956 يحرم القصاص في حدود سيلان..
فارتفعت نسبه جرائم القتل ارتفاعا مخيفا بعد صدور القانون، ولم يستيقظ السيلانيون من سباتهم الا يوم 26 سبتمبر 1959، عندما تسلل رجل مسلح داخل منزل رئيس الوزراء السيد بندرانيكه، وقتله بكل جرأة في غرفته، وكان أول ما فعله أعضاء البرلمان السيلاني بعد دفن جثمان رئيس الوزراء المأسوف له، أن عقدوا جلسة طارئة استغرقت أربع ساعات، وأعلنوا عند ختامها أن سيلان قررت إلغاء القانون، واصدار قانون جديد بتشريع القصاص.
* * *

(1) الدولة الوحيدة التي تطبق النظام الاسلامي في هذا المجال هي المملكة العربية السعودية، ومن المعروف لكل المهتمين بالشئون السعودية أن نسبة القتل بها أقل نسبة في العالم كله، فالمعدل السنوي لحوادث القتل بالمملكة السعودية لا يزداد عن بضع حوادث، وذلك راجع إلى العقوبة التي يلقاها المجرمون، وكذلك تنعدم حوادث السرقة بهذه المملكة، للسبب نفسه؟ المعرب.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»