عفان وغيرهما؟ بل كان عثمان أكثر منه صيتا وأشرف منه مركبا والعيون اليه أطمح والعدو عليه أحنق وأكلب. ولو قتل أبو بكر في بعض تلك المعارك هل كان يؤثر قتله في الاسلام ضعفا؟ أو يحدث وهنا؟ أو يخاف على الملة لو قتل أبو بكر في بعض تلك الحروب ان تندرس وتعفى آثارها وينطمس منارها! ليقول الجاحظ:
إن أبا بكر كان حكمه حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجانبة الحروب واعتزالها، نعوذ بالله من الخذلان وقد علم العقلاء كلهم ممن له بالسير معرفة وبالآثار والاخبار ممارسة حال حروب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف كانت، وحاله عليه الصلاة والسلام فيها كيف كان، ووقوفه حيث وقف، وحربه حيث حارب وجلوسه في العريش يوم جلس، وإن وقوفه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقوف رئاسة وتدبير، ووقوف ظهر وسند يتعرف أمور أصحابه ويحرس صغيرهم وكبيرهم بوقوفه من ورائهم وتخلفه عن التقدم في أوائلهم لأنهم متى علموا انه في اخرهم اطمأنت قلوبهم ولم تتعلق بامره نفوسهم فيشتغلون بالاهتمام به عن عدوهم ولا يكون لهم فئة يلجأون إليها وظهر يرجعون إليه، ويعلمون انه متى كان خلفهم تفقد أمورهم وعلم مواقفهم وآوى كل انسان مكانه في الحماية والنكاية وعند النازلة في الكر والحملة، فكان وقوفه حيث وقف أصلح لأمرهم. وأحمى وأحرس لبيضتهم، ولأنه المطلوب من بيتهم، إذ هو مدبر أمورهم ووالي جماعتهم، الا ترون ان موقف صاحب اللواء موقف شريف، وان صلاح الحرب في وقوفه، وان فضيلته في ترك التقدم في أكثر حالاته، فللرئيس حالات: الأولى حالة يتخلف ويقف آخر ليكون سندا وقوة وردءا وعدة، وليتولى تدبير الحرب ويعرف مواضع الخلل، والحالة الثانية يتقدم فيها في وسط الصف ليقوي الضعيف ويشجع الناكس، وحالة ثالثة وهي إذا اصطدم الفيلقان وتكافح السيفان اعتمد ما تقتضيه الحال من الوقوف حيث يستصلح أو من مباشرة الحرب بنفسه فإنها آخر المنازل وفيها تظهر شجاعة الشجاع النجد، وفسالة الجبان المموه، فأين مقام الرئاسة العظمى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأين منزلة أبي بكر ليسوي