كانت امارته في العراق خمس سنين ونصفا، وفي أيامه عمرت بغداد واخر الخراج، ورفع الجباية عن قوافل الحجاج وكثر ادرار الأرزاق والرسوم والصلات للقراء والفقهاء وأهل الأدب، وهذا لم يجتمع في زمن من الأزمان كما اجتمع في الدولة البويهية.
وهو أول من خوطب بالملك شاهنشاه وأول من حطب له على المنابر مع الخلفاء وأول من ضرب الطبل على بابه أوقات الصلوات الخمس، وعمر المشهد العلوي، فقد جاء في تاريخ طبرستان ورويان ومازندران:
وعمر الأمير عضد الدولة فناخسرو من آل بويه مشهد أمير المؤمنين ع في النجف ومشهد الحسين ع في كربلاء ومشهد موسى والجواد ع في بغداد ومشهد العسكريين ع في سامراء عمارة كثيرة وكتب اسمه على باب مشهد علي بن أبي طالب ع وكتب هناك وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد وفي موسم عاشوراء والغدير والمواقف الأخرى كان يحضر في المشاهد ويقوم بالمراسم التي يقوم بها الشيعة ودفن في النجف وقال مولانا أولياء الله قد وصلت إلى هناك ورأيت اسم الخليفة الناصر وابنه المستنصر الامامي المذهب مكتوبا على تلك العمارة اه.
وعن زينة المجالس من جملة اثار عضد الدولة الباقية إلى يومنا هذا أنه بنى حوضا في إصطخر فارس له سبع درجات لو نزح منه ألف رجل في كل يوم مدة سنة لم ينقص منه الا درجته.
ومن اثاره السد الذي بناه على فم ماء كربار بشيراز المشهور بسد عضد الدولة وسد الأمير إسحاق الذي لا نظير له لأنه سد الماء مع هذه العظمة والسرعة وبنى عمارة عالية عليه لعبور عامة الناس وعمل عليه عدة طواحين والماء مشرف فوق هذه العمارة فيصب إلى أسفل، كما هو المشهور في الألسنة أن عضد الدولة جعل جبلا فوق البحر وبحرا فوق الجبل.
وقال السيد علي بن طاوس في كتاب فرج الهموم: ومن العلماء بالنجوم عضد الدولة بن بويه وكان منسوبا إلى التشيع ولعله كان يرى مذهب الزيدية اه وهذا غريب منه فلم يذكر أحد عن عضد الدولة أنه كان يرى مذهب الزيدية وغيره بل كان اماميا اثني عشريا ومثله في الغرابة قوله كان منسوبا إلى التشيع فتشيع عضد الدولة أشهر من نار على علم.
وفي أنوار الربيع: روي أنه مما أنشد الصاحب بن عباد عضد الدولة قصيدته الملقبة باللاكنية لكثرة ما فيها من لفظة لكن أولها:
أشبب لكن بالمعالي أشبب * وأنسب لكن بالمفاخر أنسب ولي صبوة لكن إلى حضرة العلى * وبي ظما لكن من العز أشرب فلما بلغ إلى قوله فيها:
ضممت على أبناء تغلب تاءها * فتغلب ما مر الجديدان تغلب قال عضد الدولة يكفي الله تطيرا من قوله تغلب. وله ألف أبو علي الفارسي كتاب الايضاح في النحو، وقد كان عضد الدولة أديبا شاعرا فمن شعره قوله:
إن كنت جئتك في الهوى متعمدا * فرميت من قطب السماء بهاوية وتركت حبي لابن بنت محمد * وحشرت من قبري بحب معاوية إن الأئمة بعد احمد عندنا * اثنان ثم اثنان ثم ثمانية وقوله:
سقى الله قبرا بالغري وحوله * قبور بمثوى الطف مشتملات ورمسا بطوس لابنه وسميه * سقته السحاب الغر صفو فرات وفي طيبة منهم قبور منيرة * عليها من الرحمن خير صلاة وفي ارض بغداد قبور زكية * وفي سر من را معدن البركات هم عدتي في شدتي يوم شدتي * وسفن نجاتي أن أردت نجاتي وله في الخيري:
يا طيب رائحة من نفحة الخيري * إذا تمزق جلباب الدياجير كأنما رش بالماورد واعتبقت * به دواجن تدخين وتبخير كان أوراقه في القد أجنحة * صفر وحمر وبيض من دنانير (1) وعضد الدولة هو أشهر ملوك بني بويه صيتا وأعظمهم صولة وأغزرهم علما وارفعهم أدبا وأوسعهم تدبيرا واجلهم شانا، ولذلك بلغت الحكومة البويهية ذروة ازدهارها على عهده. وكانت ولادته حين كان أبوه ركن الدولة صاحب أصفهان والري طهران وضواحيها وهمدان وربحان وجميع عراق العجم وجرجان وطبرستان، كركان ومازندران حاليا.
ولما كان اخوه الأكبر علي الملقب عماد الدولة قد اتخذ مقر حكومته مدينة شيراز قاعدة ايالة فارس جنوب إيران وكان عقيما وقد اشتد به مرض قرحة الكلى سنة 337 وشعر بدنو اجله أنفذ إلى أخيه ركن الدولة يطلب منه أن ينفذ إليه ابنه عضد الدولة فناخسرو ليجعله ولي عهده ووارث مملكته بفارس وسائر ارجاء جنوب إيران فجاء عضد الدولة في هذه السنة إلى شيراز ولما يبلغ من العمر الثالثة عشرة فاستقبله عمه عماد الدولة في جميع عسكره واجلسه في داره على السرير ووقف هو بين يديه وامر الناس بالسلام عليه والانقياد له.
وفي جمادى الآخرة سنة 338 مات عماد الدولة عن سبع وخمسين سنة وبقي عضد الدولة وعمره 14 سنة وحده فاختلف أصحابه، مما اضطر والده ركن الدولة للمجئ إلى شيراز للاخذ بيد ابنه والتعاون مع الصيمري وزير أخيه معز الدولة الذي كان قد أرسله من بغداد إلى شيراز لمساعدة ابن أخيه عضد الدولة وقد اتفق هذان على تقرير حكومة عضد الدولة وبقيا في شيراز مدة تسعة أشهر.
عضد الدولة في حروبه وفتوحه واخذ عضد الدولة الذي لم يكن قد لقب بعد بهذا اللقب بجيشه إلى كرمان واستولى عليها في رمضان سنة 357 واقطعها ولده أبا الفوارس شرف الدولة، وفي عام 360 ثارت على عضد الدولة كرمان فاخمد الثورة في السنة نفسها. وتفصيل ذلك أن القفص والبلوص بلوج ومسكنهم ايالة بلوجستان على الحدود الإيرانية الباكستانية الآن ومعهم أبو سعيد البلوصي وأولاده تحالفوا على معارضة عضد الدولة فضم عضد الدولة إلى