انظر إلى سبحته * تر الذي أقول لك شيطانه كخيطها * بين الثقوب قد سلك يا ذرة من نفخنا * قد اتقت إلى الفلك ما اسودت السبحة * الا لترينا عملك لقد وهب الشرقي إلى جانب ملكته الشعرية ملكة حسن التحدث فلا احسب ان مستمعا للشرقي مل حديثه، أو سئم أمثلته التي ينتزعها من الحوادث الواقعية فيأتي بها شواهد لما يقول في قصص طلية وحكايات تجعل من المستمع من أي طبقة كان آذانا صاغية، والى هذه الملكات يعود انجذاب الكثير من مختلف الطبقات به وقد كان له الأصدقاء الأوفياء ما قد يحسد الشرقي عليهم.
والشرقي عف اللسان وهو مؤدب فيما يقول وما يكتب وما ينظم.
ولقد تناوله مرة أحدهم فنال منه في إحدى الصحف، فرد الشرقي بهذه الرباعية التي ذهب مثلا:
يا رامي الشجر العالي باكرته * هلا تعلمت أخلاقا من الشجر ترميه بالحجر القاسي لترجمه * وانه دائما يرميك بالثمر قدست من بشر لولا مجاملة * لقلت في حقه قدست من بقر قل للجاذر: ظلما أنت من بقر * ان ينسبوك وهذا الوحش من بشر ومن رباعياته:
ذممت التعصب من قبل ذا * وها انا في ذمه لاهج دعونا نوسع آفاقنا * ليقبلنا المزج والمازج أقول وقد سألتني الرفاق أ أنت على وضعنا خارج؟
أبى الثمر الفج عن جذعه * فصالا وينفصل الناضج ومثل هذه الرباعية رباعية أخرى نشرها كرد على الذين اسمعوه الكثير من القذع والشتم بسبب شعره المحفز والمستنهض للاصلاح فقال الشرقي:
ان قومي شعارها النقد لكن * انا قد جئت ناقدا للشعار أنتم تقرعون في خشب الباب * ولكن قرعي على المسمار وإذا البحر جف تبدو لئاليه * فان مت تعرفوا آثاري قل لقوم شموا قتار شواء * اشتبهتم بريح كي حمار وحمل على السياسة والسياسيين الذين أساءوا للبلد وخربوها ومن هذا الشعر يتألف ديوان كبير لو تصدى جامع لجمعه، وأعتقد ان الشرقي ممن لم يضع شئ من شعره، ولكنه اضطر لان يعزل طائفة من شعره السياسي حين تصدى لطبع عواطف وعواصف الذي قال عنه انه ديوان لعلي الشرقي لكي يبقى الباب مفتوحا لنشر ديوان اخر حين يجد الوقت مناسبا وذلك لما كان يتضمنه شعره السياسي من قوارص الكلم التي قد لا تتناسب مع الوقت، وقد لقي شعره السياسي حتى من الذين نقموا على جرأته في جرح المرائين من رجال الدين اقبالا كبيرا ربما اعتبره البعض خير كفارة عن ذنوبه، وهو شعر طافح فالاحساس اكتنزته الصدور وحفظه الحفاظ في أذهانهم واطروه بإطار من الاعجاب بالشاعرية والفكرة أكثر مما عملت الصحف والمجلات، ومن هذا الشعر قوله:
يا رب يثمل كل * الورى واني صاح ان يفسد الناس طرا * فهل يفيد صلاحي بغداد غنت ولكن * عراقها في نياح وكيف عاصمة تتبنى * بهدم النواحي ومما لهج به الناس من شعر الشرقي السياسي قوله:
أيتها العير ارى يوسفا * ومصره من عندكم مستريب ستلسع استقلالنا عصبة * قد ملأت كل الزوايا دبيب انا تقارعنا وأوراقنا * لا بد ان تسحب عما قريب نصيب هذا القطر لملومة * على الكراسي لعبت يا نصيب ومن أشهر شعره السياسي الذي لم يزل يتردد على الأفواه على سبيل المثل قوله:
هذي الرؤوس ولكن كلها وجع * وذي العيون ولكن كلها رمد كم من صدور بهذا الجيل فارغة * جوفاء ليس بها قلب ولا كبد أصنام أندية في شحمها انتفخت * شوهاء بوهاء لا هر ولا أسد من الشراك قد اختارت لامتنا * هذي السياسة ثوبا كله عقد وقد عبر الشرقي في كل شعره عن المدى البعيد للحرية الفكرية وصلاح المجتمع في صياغة اختص بها وحده في جزالة وايجاز عجيب بحيث قل الذين يستطيعون ان يحملوا الألفاظ من المعاني كما كان يحملها، وان ايجازه وقد اخذ جانبا كبيرا منه من الفارسية فيما قرأ لسعدي وحافظ والمثنوي والخيام هو أحد ملكاته التي قل من يستطيع مجاراته فيه، ويظهر هذا الايجاز والجزالة واضحا في شعره ونثره، وكلامه، ولقد طغت هذه الظواهر الأدبية على جميع آثاره حتى مقالاته التاريخية فهو المؤرخ الوحيد الذي يمشي في تاريخه مشيته في أدبه فيأتي بالمقالة التاريخية قطعا أدبية رائعة فيها كل ألوان البراعة من الجزالة والانسجام والايجاز وكان كتاب الأحلام الذي أصدره قبل وفاته ببضعة شهور خير دليل على مقدرته الرائعة في جمع الأدب والتاريخ في صعيد واحد.
ولم تنقطع علاقة الشرقي بالنجف كما لم تنقطع علاقاته بالأصدقاء القدامى وكان وهو عضو في مجلس الأعيان ثم وهو وزير كما كان وهو رئيس لمجلس التمييز الشرعي أو هو قاض، أو وهو لا شئ من حيث الوظيفة يذكر أيام الضنك والضيق بشئ كثير من اللذة، ولا يمنعه مانع من أن يستعرض تلك الصور امام جميع الناس كما لو كانت الذكريات العزيزة بل انها لذكريات عزيزة عنده لذلك ما جاء النجف مرة الا وتفقد أصدقاء شبابه، وأيام محنته وجلس عندهم وأطال الجلوس.
ومن رباعياته مع البلبل في السجن:
أيها البلبل المعلق في السجن * سلام بجلنار وآس كل ريح تهز الغدير يطفح للطير * وعنه قد اكتفيت بكأسي لست أخشى عليك من سارق قط * ولكن خوفي من الحراس واليك قوله مخاطبا غريده المسجون:
أيها البلبل المعلق في السجن * سلام هل في الحياة سلام أ نظام وللطيور سجون * وانسجام وفي القصور سوام المس الجبر في النظام ودنيا * الورد فيها من دون جبر نظام