وأسمعه كلاما شديد فخرج من عنده وهو يأخذ شاربه ويفتله ويقول ما أحب الحياة أحد الا ذل ثم مضى فكان وجهه إلى الكوفة فخرج بها ثم قتل وصلب فأخبرت هشاما بعد ذلك بما قاله زيد لما خرج من عنده فقال ثكلتك أمك ألا كنت أخبرتني بذلك قبل اليوم وما كان يرضيه انما كانت خمسمائة ألف فكان ذلك أهون علينا مما صار إليه. وهذا من الاعذار التي هي أقبح من الذنب. ورواه الطبري في ذيل المذيل بسنده عن عبد الله بن جعفر مثله.
وقال ابن الأثير وغيره ان زيدا تنازع مع ابن عمه جعفر بن حسن بن حسن بن علي في صدقات وقوف علي بن أبي طالب زيد من طرف أولاد الحسين بن علي وجعفر من طرف أولاد الحسن بن علي فكانا يتبالغان كل غاية ويقومان فلا يعيدان مما كان بينهما حرفا فلما توفي جعفر قام مقامه عبد الله المحض بن الحسن المثنى فتخاصم مع زيد يوما في مجلس خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم والي المدينة فاسمع عبد الله زيدا كلاما فيه غلظة وخشونة وعرض بان أمه أم ولد وقال له يا ابن السندية فتبسم زيد وقال لا عيب في كون أمي أمة فان أم إسماعيل أيضا أمة وقد صبرت أمي بعد وفاة سيدها ولم تتزوج كما فعل غيرها يعرض بأم عبد الله المحض فاطمة بنت الحسين بن علي عمة زيد فإنها بعد وفاة الحسن بن الحسن تزوجت وندم زيد على هذا الكلام وبقي مدة لا يدخل دار فاطمة حياء منها فأرسلت إليه يا ابن أخي اني لاعلم ان قدر أمك ومنزلتها عندك مثل منزلة عبد الله وقالت له بئسما قلت لازم زيد اما والله لنعم دخيلة القوم كانت. وقال لهم خالد في ذلك اليوم اغدوا علي غدا فلست لعبد الملك ان لم أفصل بينكما فباتت المدينة تغلي كالمرجل يقول قائل قال زيد كذا ويقول قائل قال عبد الله كذا فلما كان الغد جلس خالد في المسجد واجتمع الناس فمن بين شامت ومهموم فدعا بهما خالد وهو يحب ان يتشاتما فذهب عبد الله يتكلم فقال له زيد لا تعجل يا أبا محمد أعتق زيد ما يملك ان خاصمك إلى خالد ابدا ثم اقبل على خالد وقال جعت ذرية رسول الله لأمر لم يكن أبو بكر وعمر يجمعانهم له فقال خالد أما لهذا السفيه أحد فقام رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم وقال يا ابن أبي تراب أما ترى لوال عليك حقا قال زيد اسكت أيها القحطاني فانا لا نجيب مثلك قال فلما ذا ترغب عني فوالله اني لخير منك وأبي خير من أبيك وأمي خير من أمك فتضاحك زيد وقال يا معشر قريش هذا الدين قد ذهب أفذهبت الأحساب انه ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال كذبت والله أيها القحطاني لهو خير منك نفسا وأبا واما ومحتدا وتناوله بكلام كثير واخذ كفا من حصباء فضرب بها الأرض ثم قال إنه والله ما لنا على هذا من صبر ثم خرج من المسجد وشخص زيد إلى هشام بن عبد الملك فجعل هشام لا يأذن له فيرفع إليه القصص فكلما رفع إليه قصة كتب هشام في أسفلها ارجع إلى منزلك فيقول زيد والله لا أرجع إلى خالد ابدا ثم أذن له بعد طول حبس فرقى علية عالية وامر هشام خادما ان يتبعه بحيث لا يراه زيد ويسمع ما يقول فصعد زيد وكان بادنا فوقف في بعض الدرجة فسمعه الخادم يقول ما أحب أحد الحياة الا وذل فأبلغ الخادم هشاما ذلك فعلم هشام ان في نفسه الخروج ثم دخل على هشام إلى أن قال:
فقال هشام لقد بلغني يا زيد انك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن أمة إلى آخر ما مر فقال له هشام اخرج قال اخرج ثم لا أكون الا بحيث تكره فقال له سالم يا أبا الحسين لا يظهرن هذا منك فخرج من عنده وسار إلى الكوفة ولما خرج من مجلس هشام أنشد:
شرده الخوف وأزرى به * كذاك من يكره حر الجلاد منخرق النعلين الخفين يشكو الوجى * تنكبه أطراف مر وحداد قد كان في الموت له راحة * والموت حتم في رقاب العباد ان يحدث الله له دولة * تترك آثار العدا كالرماد وفي رواية انه نهض من عند هشام وهو يقول:
من أحب الحياة أصبح في قديد * من الذل ضيق الحلقات واخرج ابن عساكر عن الزهري كنت على باب هشام بن عبد الملك فخرج من عنده زيد بن علي وهو يقول والله ما كرم قوم الجهاد في سبيل الله الا ضربهم الله تعالى بالذل وقال ابن الأثير قال له هشام اخرج قال اخرج ثم لا أكون الا بحيث تكره فقال له سالم مولى هشام يا أبا الحسين لا يظهرن هذا منك فخرج من عنده وسار إلى الكوفة.
ثانيها انه كان سبب خروجه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث شاعت المحرمات والفسق والفجور في عصر بني أمية. روى الخوارزمي في كتاب المقتل عن جابر الجعفي انه قال: قال لي محمد بن علي الباقر ع ان أخي زيد بن علي خارج مقتول وهو على الحق فالويل لمن خذله والويل لمن حاربه والويل لمن يقتله قال جابر فلما أزمع زيد بن علي على الخروج قلت له اني سمعت أخاك يقول كذا وكذا فقال لي يا جابر لا يسعني ان اسكت وقد خولف كتاب الله وتحوكم إلى الجبت والطاغوت وذلك اني شهدت هشاما ورجل عنده يسب رسول الله ص فقلت للساب ويلك يا كافر اما اني لو تمكنت منك لاختطفت روحك وعجلتك إلى النار فقال لي هشام مه عن جليسنا يا زيد فوالله ان لم يكن الا انا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتى افنى. وقال ابن عساكر. قال محمد بن عمير ان أبا الحسين لما رأى الأرض قد طوقت جورا ورأى قلة الأعوان وتخاذل الناس كانت الشهادة أحب الميتات إليه فخرج وهو يتمثل بهذين البيتين:
ان المحكم ما لم يرتقب حسدا * لو يرهب السيف أو وخز القناة صفا من عاذ بالسيف لاقى فرجة عجبا * موتا على عجل أو عاش فانتصفا ثالثها انه كان السبب في خروجه ان خالد بن عبد الله القسري وابنه يزيد ادعيا مالا قبل زيد وغيره لما سألهم يوسف بن عمر عن ودائعهم فكتب يوسف بذلك إلى هشام فأرسل هشام زيدا إلى الكوفة ليجمع يوسف بينه وبين خالد فلما انقضى امر هذه الدعوى وخرج زيد من الكوفة لحقه الشيعة وحملوه على الخروج وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق قال حمزة بن ربيعة كان سبب خروج زيد بالعراق ان يوسف بن عمر سال القسري وابنه عن ودائعهم فقالوا لنا عند داود بن علي وديعة وعند زيد بن علي وديعة فكتب بذلك إلى هشام فكتب هشام إلى صاحب المدينة في اشخاص زيد وكتب إلى صاحب البلقاء في اشخاص داود إليه فاما داود فحلف لهشام ان لا وديعة له عندي فصدقه وأذن له بالرجوع إلى أهله واما زيد فأبى ان يقبل منه وأنكر زيد ان يكون له عنده شئ فقال أقدم على يوسف فقدم عليه فجمع بينه وبين يزيد وخالد القسريين فقال خالد انما هو شئ تبردت به اه ليس لي عنده شئ وانما قلت هذا لتخفيف العذاب عني فصدقه واجازه