الفارابي من اجل اعتقاد هذه المسائل وانها خلاف اعتقاد المسلمين وقال ابن حجر أيضا أطلق الغزالي وغيره القول بتكفير ابن سينا اه. وفي كامل ابن الأثير في حوادث سنة 428 فيها في شعبان توفي أبو علي ابن سينا الحكيم الفيلسوف المشهور صاحب التصانيف السائر على مذاهب الفلاسفة وكان موته بأصبهان وكان خدم علاء الدولة أبا جعفر ابن كاكويه ولا شك ان أبا جعفر كان فاسد الاعتقاد فلهذا قدم ابن سينا على تصانيفه في الالحاد والرد على الشرائع في بلده اه. وممن قدح في عقيدته من علمائنا هما صاحبا البحار والدر المنثور فيما حكي عنهما وقد شاع في الاسلام التسرع إلى التكفير وهو ليس بالأمر السهل لا سيما بعد قوله ص من كفر مسلما فقد باء به أحدهما فيلزم عدم التسرع ما لم يستند إلى أمر محقق واضح كالشمس الضاحية وقد استند القادحون في عقيدته إلى ما يحكى عنه في الشفاء من القول بقدم العالم كما هو رأي الفلاسفة ونفي المعاد الجسماني وثبات المعاد الروحاني وفي مرآة الجنان لليافعي طالعت كتاب الشفا فلم أره الا جديرا بقلب الفاء قافا مشتمل على فلسفة كثيرة لا ينشرح لها صدر متدين والى ما يحكى عنه في رسالة المبدأ والمعاد من أن اللذات الأخروية للأرواح لا للأجسام وما يظهر من استحلاله الشراب بحكايته عن نفسه كما يأتي في اخباره انه كان إذا غلبه النوم شرب قدحا من الشراب. وأجيب عن ذلك بأنه معارض بما ذكره في الإشارات من ايكال امر المعاد الجسماني إلى صاحب الشريعة وبما ذكره في الشفاء نفسه فقد حكي عن تلميذه الجوزجاني انه قال الشيخ في آخر الشفاء ليس لنا دليل عقلي على وجوب حشر الأجساد كما لا دليل على امتناعه لكن لما أخبر يه الصادق المصد ع نصدقه فيما أخبر به ولهذا يلزم حبس اللسان عن الطعن فيه. وبان له رسالة في اثبات المعاد الجسماني وحينئذ فيكون المراد بما في الشفا تحرير مطالب المتقدمين لا بان معتقده. ويدل على صحة عقيدته بعد كونه على ظاهر الاسلام بإقامته الصلاة وغير ذلك قوله عند ذكر بعض الأدوية كما يأتي: هو كما قال صاحب شريعتنا الدال على اعترافه بان شريعته شريعة الاسلام وقوله في وصيته الآتية: في آخر الترجمة أفضل الحركات الصلاة وأفضل السكنات الصيام وقوله فيها ثم لا يقصر في الأوضاع الشرعية ويعظم السنن الإلهية والمواظبة على التعبدات البدنية وانه كلما تحير في مسالة تردد إلى الجامع وابتهل إلى الله في حلها. وانه لما كان مأيوسا من معرفة علم ما بعد الطبيعة ثم وجد كتابا للفارابي أرشده إلى معرفة ما يئس منه سجد لله شكرا مرات وتصدق بمقدار واسع. وانه كان يختلف في تعلم الفقه ويناظر فيه. وانه ألف رسالة في أسرار الصلاة. وألف في تفسير القرآن. وألف في اثبات النبوة ووصف النبي ص بالصادق المصدق. وانه اغتسل عند دنو اجله غسل التوبة وتاب من ذنوبه وتصدق ورد كثيرا من المظالم ولازم تلاوة القرآن وختمه في كل ثلاثة أيام وفي مرأة الجنان لليافعي وقد ذكروا انه تاب واشتغل بالتنسك فان صح ذلك فقد أدركه الله تعالى بعفوه لسابق عنايته وواسع رحمته حتى أحدث فيه لاحق توبته والله أعلم بحقيقة ذلك وصحته اه وفي الروضات عن سلم السماوات المار ذكره انه قد تمسك في رسالته التي كتبها في الصلاة بالأدلة النقلية. والاعتراف بالنبوة وسائر أركان الدين ظاهر من سائر مؤلفاته اه.
فمثل هذا كيف يجرؤ ذو دين على تكفيره ويقول إنه ضال لا رضي الله عنه ولا يخاف ان يبوء به أحدهما واما القول بمقالات الفلاسفة في الحكمة العقلية الباحثة عن حقائق الأشياء على ما هي عليه بحسب الطاقة البشرية من الجواهر والاعراض فهذا لا يوجب تكفيرا ولا ضلالا ولا خروجا عن الاسلام سواء أ قلنا بان ذلك لازم ومفيد أم قلنا بأنه غير لازم وغير مفيد مع أن الحق ان ذلك مفيد وموجب لقوة الحجة وتشريح الذهن وصحة الاحتجاج على العقائد الحقة وكان قوم يقولون يحرمه تعلم علم المنطق، وما ذاك الا من جمود الذهن وقصور النظر قال صاحب السلم:
فابن الصلاح والنواوي حرما وقال قوم ينبغي ان يعلما والقولة الواضحة الصحيحة * جوازه لسالم القريحه وهذا الحافظ ابن حجر يظهر منه عدم ارتضاء القول بتكفيره فهو بعد ما نقل عن الغزالي اطلاق القول بتكفيره قال بعده بلا فصل وقال ابن سينا في الكلام على بعض الأدوية هو كما قال صاحب شريعتنا ص فاورد هذا الكلام الدال على أن شريعته شريعة الاسلام ليكون كالرد على الغزالي والأبيات الآتية التي أوردها واستظهرنا انها من نظم ابن سينا شاهدة بصحة عقيدته اما جزم ابن الأثير بفساد عقيدة علاء الدولة فهفوة منه وتسرع لم يعهد له مثلهما كقوله ان ابن سينا صنف في الالحاد والرد على الشرائع اما ما دل على تعاطيه الشراب وآلات اللهو فمعصية قد تاب منها لا توجب تكفيرا ولا تضليلا.
تعاطيه الشراب وآلات اللهو قال تلميذه الجوزجاني فيما حكاه عنه صاحب عيون الأنباء كان يجتمع كل ليلة في داره في همذان طلبة العلم وكنت اقرأ من الشفا وغيري من القانون فإذا فرغنا حضر وهئ مجلس الشراب وكنا نشتغل به ومر قوله مهما غلبني النوم أو شعرت بضعف عدلت إلى شرب قدح من الشراب وانه امر حضار الشراب بعد صلاة العشاء وجعل يشرب إلى نصف الليل وامر تلميذه وأخاه بتناوله وقال صاحب روضة الصفا: لم يكن أحد من حكماء الاسلام شرب قبله بل حكماء قبل الاسلام من اليونانيين لم ينسبوا إلى هذا الامر الشنيع اه ولكن ينافي هذا ما حكاه الجوزجاني نفسه عن وصية ابن سينا الآتية من قوله اما المشروب فإنه يهجر شربه تلهيا بل تشفيا وتداويا.
وكيف كان فقد مر انه تاب عند حضور اجله من جميع المعاصي والله يقبل التوبة عن عباده وهو التواب الرحيم.
ما ربما يعاب من أفعاله وأخلاقه يعاب من أخلاقه وأفعاله سوى ما مر إفراطه في الميل إلى الشهوة الحيوانية حتى أودت بحياته وتهافته على خدمة الملوك والامراء المزرية به وتطلعه إلى الوزارة حتى أدى ذلك إلى تشريده في البلاد وقد كان في غنى عن ذلك بما أوتيه من علم في جميع الفنون ولا سيما الطب الذي فاق فيه أهل عصره وسلطان العلم أقوى من كل سلطان وصناعة الطب التي فاق فيها ويحتاجها كل أحد كافلة بادرار أوسع الأرزاق عليه ولكن تأبى الطباع على