في موضع على باب كونكنبد قال وكان الشيخ كمال الدين بن يونس يقول إن مخدومه سخط عليه أو اعتقله فمات في السجن وكان ينشد:
رأيت ابن سينا يعادي الرجال * وفي السجن مات أخس الممات فلم يشف ما ناله بالشفاء * ولم ينج من موته بالنجاة والشفاء والنجاة كتابان له، ولكن ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء حين أورد البيتين قال في البيت الأول وبالحبس بدل وفي السجن وقال أراد بالحبس انحباس البطن من القولنج الذي أصابه اه. فيكون قول من قال إنه مات في السجن اشتباها والله أعلم وسينا بكسر السين وسكون التحتية والقصر.
أصله في عيون الأنباء عن أبي عبيد عبد الواحد الجوزجاني تلميذ الشيخ الرئيس قال حدثني أستاذي أبو علي بن سينا عن نفسه قال كان أبي من أهل بلخ وانتقل منها إلى بخارى في أيام نوح بن منصور (1) وتولى العمل بقرية يقال لها خرميثنا أو خرميشن وبقربها قرية يقال لها أفشنة فتزوج من أفشنة بوالدتي واسمها ستارة (2) وتوطنها فولدت انا بها وبعد خمس سنين من ولادتي ولدت أخي محمودا ثم انتقلنا إلى بخارى.
أقوال العلماء فيه في عيون الأنباء: كان أشهر من أن يذكر وفضائله أظهر من أن تسطر قال تلميذه الجوزجاني: وكان من عجائب أمر الشيخ اني صحبته وخدمته خمسا وعشرين سنة فما رأيته إذا وقع له كتاب مجدد ينظر فيه على الولاء بل كان يقصد المواضع الصعبة منه والمسائل المشكلة فينظر ما قال مصنفه فيها فيتبين مرتبته في العلم ودرجته في الفهم وذكره محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في الملل والنحل لما سرد أسامي فلاسفة الاسلام فقال: وعلامة القوم أبو علي بن سينا وكانت طريقته أدق ونظره في الحقائق أغوص وكل الصيد في جوف الفرا. وفي كشف الظنون ان الشهرستاني عده في فلاسفة الاسلام الذين فسروا ونقلوا من اليونانية إلى العربية. وقال ابن أبي الحموي كذا الفقيه الشافعي شارح الوسيط في كتابه الملل والنحل على ما حكاه عنه ابن حجر في لسان الميزان لم يقم أحد من هؤلاء يعني فلاسفة الاسلام مقام أبي نصر الفارابي وأبي علي بن سينا وكان أبو علي أقوم الرجلين وأعلمهما وقال ابن خلكان انتقل في البلاد واشتغل بالعلوم وحصل الفنون وكان نادرة عصره في علمه وذكائه وتصنيفه وهو من فلاسفة المسلمين وله رسائل بديعة وانتفع الناس بكتبه وله شعر وتقدم عند الملوك وخدم علاء الدولة بن كاكويه وعلت درجته عنده وفضائله كثيرة مشهورة اه. وعن الكشكول عن بعض المواضع انه كان ماهرا في جميع العلوم الواضحة والغريبة والحكمية والرسمية بأقسامها.
وفي الروضات عن كتاب سلم السماوات للشيخ أبي القاسم بن أبي حامد بن أبي نصر الحكيم الشيرازي الكازروني انه قال في حقه: كان تلميذا لتصانيف الفارابي وأستاذا للحكماء الاسلاميين ولم ينتفع أهل الحكمة النظرية والأطباء بعد أرسطاطاليس وأفلاطون الالاهي من أحد مثلما انتفعوا من آثاره وتعليقاته ولذا لقبوه بالشيخ الرئيس وقد خالف الفارابي في بعض المطالب الحكمية مثل مفهوم القضية الذهنية وجالينوس في بعض المسائل الطبية مثل قوله بان جراحة السل لا تقبل الالتئام لأنها في عضو متحرك وهو الرئة والتئام المتحرك لا يتيسر الا بالسكون فنقضه بسل الغنم فان التئامه امر محسوس وذكر البيهقي في تاريخه ان الشيخ أصلح كثيرا في الأهوية المختلفة والأمكنة المتباعدة جراحة السل وعالجها بالورد المقند واللبن والحليب وعن روضة الصفا ان أباه وضعه في المكتب في بخارى فلما بلغ عشرا كان قد فرع من أصول العربية وقواعد الأدب ثم اشتغل بالطبيعي والإلهي ثم بعد ذلك بالطب فبلغ بقليل من الزمان مرتبة لم يبلغها أحد قبله وكان يحضر مجلسه الأطباء الحذاق ومع هذا كان يتردد إلى مجلس إسماعيل الزاهد لقراءة الفقه والأصول ولم يكن في آن فارغا من المطالعة والكتابة وقليل من الليل يهجع اه. وكتب ابن مندويه أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني الطبيب رسالة في البواسير وعلاج شقاقها وأرسلها إليه قال المؤلف هو فيلسوف الاسلام نبغ في الطب والفلسفة والحكمة العقلية وأتقن الفقه واللغة والأدب والشعر والحساب وأوتي من قوة الحفظ وحدة الذهن والصبر على الجد والاجتهاد وقوة العزم في ذلك ما كاد يكون خارقا للعادات وفاق من سبقه وأعجز من لحقه ويكفيك انه عاش 58 أو 57 سنة ألف فيها ما ينيف على مائة مجلد منها القانون في الطب الذي صنفه وله 16 سنة والذي كان يدرس في أوروبا إلى عهد قريب وترجم إلى اللاتينية ومنها الإشارات وان يحفظ تسعة كتب كبار وبعضها كبير جدا في اللغة والنحو والصرف والأدب والشعر وغيرهما في مدة سنة ونصف وله دون عشر سنين وان يقرأ الفقه وله دون 12 سنة فلما بلغ 12 سنة كان يفتي في بخارى. على مذهب أبي حنيفة وهذا يكاد يلحق بالمعجزات وان تسمو همته إلى غير الفلسفة والحكمة من الفقه فيدرسه ويناظر فيه ويحفظ القرآن وكثيرا من الأدب وله عشر سنين ويبرز في الطب في مدة يسيرة حتى اخذ الأطباء يقرأون عليه وان تسمو نفسه إلى اتقان لغة العرب لكلمة سمعها من لغوي انه لا يرضى من كلامه في اللغة فيتقنها ويكون ذلك سببا لأن يصنف فيها مصنفا في عشرة مجلدات يسميه لسان العرب ولعل ابن منظور أخذ اسم كتابه منه، وأن يكون جل تحصيله لنفسه بنفسه بكده واجتهاده وان تمضي عليه سنة ونصف سنة لا ينام فيه ليلة واحدة بطولها بل يسهر أكثر الليل ويشتغل كل النهار وأن يكون لما بلغ 24 سنة ليس شئ من العلوم لا يعرفه وان تسمو نفسه إلى الوزارة فيتولاها ولا يشغله عنها ما هو فيه من النظر في الطب والفلسفة والتأليف والتصنيف وان يصنف جملة من مصنفاته المهمة في حال حبسه أو في حال استتاره وخوفه من دون رجوع إلى كتاب وان يعيد تأليف مصنفاته بعد تلفها عن ظهر القلب والحاصل ان الرجل هو أوحدي الزمان لا أوحدي زمانه فقط وان جملة من حالاته هي من خوارق عادات الدهر ومعجزاته وقد جاء في ترجمته ما يدل على قوة معرفته بعلم الهيئة والنجوم وتعبير الرؤيا فقد ذكر صاحب الروضات عن بعض مترجميه انه انتهى بعض مسائل الهيئة والنجوم التي استند فيها بطليموس الحكيم وغيره إلى أدلة الظنون عنده إلى درجة الحس واليقين مثل كون الشمس في الفلك الرابع والزهرة في الثالث كما أنه يقول رأيت الزهرة كخال على وجه الشمس قال: وله في علم التعبير معرفة تامة وينقل عنه صاحب التعبير القادري كثيرا اه.
القادحون في عقيدته قال الذهبي في ميزانه: الحسين بن عبد الله بن سينا أبو علي الرئيس ما اعلمه روى شيئا من العلم ولو روى لما حلت الرواية عنه لأنه فلسفي النحلة ضال لا رضي الله عنه. وقال ابن أبي الحموي الفقيه الشافعي فيما حكاه عنه ابن حجر: قد اتفق العلماء على أن ابن سينا كان يقول بقدم العالم وينفي المعاد الجسماني ولا ينكر المعاد النفساني ونقل عنه انه قال إن الله لا يعلم الجزئيات بعلم جزئي بل بعلم كلي فقطع علماء زمانه ومن بعدهم من الأئمة ممن يعتبر قولهم أصولا وفروعا بكفره وبكفر أبي نصر