البلاد والدواوين وأمر بان يخطب له على جميع المنابر وبطلت الدواوين من ابن رائق المترجم واستكتبه فكان ابن رائق ووزيره المترجم ينظران في الأمور جميعها وكذلك كل من تولى ذلك الوقت وبطلت الوزارة واستوزر امرة الامراء بعده وصارت الأموال تحمل إلى خزائنهم فيتصرفون فيها كما يريدون ويطلقون للخليفة ما يريدون وبطلت بيوت الأموال ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها والحكم في جميعها لابن رائق. وكان رجل يدعى أبا عبد الله البريدي قد استولى على خوزستان وخرج عن أمر السلطان.
والبريديون طائفة كبيرة من أهل البصرة كان لهم وجاهة ونفوذ في الدولة العباسية وكانت البصرة في ذلك الوقت في يد ابن رائق. وفي تجارب الأمم ان الوزير أبا علي بن مقلة وزير الراضي أشار على الراضي سرا ان يخرج ومعه الجيش ليدفع محمد بن رائق عن واسط والبصرة فقبل الراضي ذلك فافتتح الوزير الامر مع ابن رائق فانفذ إليه برسالة من الراضي مع ينال الكبير وما كرد الديلمي يأمره فيها ان يبعث بالحسين بن علي النوبختي ليواقف على ما جرى على يده من ارتفاع واسط والبصرة فلم يستجب ابن رائق إلى انفاذ الحسين ووهب للرسولين مالا وسألهما ان يتحملا إلى الراضي رسالة في السر وهي انه إذا استدعي إلى الحضرة وفوض إليه التدبير قام بكل ما يلزم الراضي فلم ينشط الراضي لتسليم وزيره وامسك. ولما رأى الوزير امتناع ابن رائق من تسليم الحسين بن علي عمل على أن يخرج إليه ويحاربه مظهرا ان خروجه إلى الأهواز لا إليه وان ينفذ إليه القاضي أبا الحسين برسالة من الراضي يعرفه ان الخروج ليس إليه فجاء الوزير مع القاضي إلى دار الراضي ليسمع القاضي منه الرسالة فقبض الجند على الوزير قبل وصوله إلى الراضي ونكب وحضر ابن رائق إلى بغداد وصار إليه تدبير المملكة وفي تجارب الأمم وكامل ابن الأثير وذلك مأخوذ من مجموع كلاميهما ان الراضي بإشارة ابن رائق عمل على الشخوص إلى الأهواز ودفع البريدي عنها فانحدر إلى واسط أول المحرم سنة 325 ومعه ابن رائق ليقرب من الأهواز ويراسل البريدي فان أجاب إلى ما يطلب منه والا كان قصده قريبا ثم أخرجت المضارب نحو الأهواز وبلغ البريدي ذلك فقلق قلقا شديدا وانفذ إليه برسالة انه اخر الأموال واستبد بها وأفسد الجيوش وانه كان كاتبا صغيرا فرفع إلى جليل الأعمال وانه ان حمل المال وسلم الجند أقر على عمله والا عومل بما يستحق فلما سمع الرسالة جدد ضمان الأهواز بمال مقسط وأجاب إلى تسليم الجيش لمن يؤمر بتسليمه إليه فعرض ذلك ابن رائق على الراضي وشاور فيه الحسين بن علي النوبختي فأشار بان لا يقبل منه ذلك فإنه خداع يمكر لقربهم منه ومني عدتم عنه لم يف بما بذله وأن يتمم ما شرع فيه من قصده وكان رجل يسمى أبا بكر بن مقاتل يتعصب للبريدي فأشار بإجابته إلى ما طلب من الضمان وقال إنه لا يقون غيره مقامه فمال ابن رائق إلى الهوينا وقبل رأي ابن مقاتل وترك رأي النوبختي وكان هي الرأي الصحيح وعادوا إلى بغداد فما سلم البريدي من المال شيئا ولا سلم الجند.
حيلة لابن مقاتل لأجل عزل النوبختي كان ابن مقاتل متمكنا من ابن رائق منحرفا عن الحسين بن علي النوبختي بعد المودة الوكيدة وكان هو أوصله إلى ابن رائق وادخله في كتابه ولكن ابن مقاتل حسد النوبختي لكون النوبختي فوقه ومنفردا بابن رائق وهو المدبر للملك والذي بنى لابن رائق تلك الرتبة العظيمة والذي ساق إليه تلك النعمة وجمع له تلك الأموال التي كان مستظهرا بها من ضمان واسط والبصرة فاخذ يحسن لابن رائق عزل النوبختي وزيره وأشار عليه بالاعتضاد بالبريدي وان يستوزره ويستكتبه لتتفق الكلمة ويجتمع جيش الأهواز إلى جيشه وقال له أيها الأمير لك في ذلك جمال عظيم لأنه اليوم كالنظير لك فإذا استكتبته صار تابعا لك وجاز حكمك عليه وأنت الآن غير قادر عليه الا بحرب لا تدري عاقبتها فحطه من الامارة إلى الكتابة ليصير تابعا لك فذلك أولى من حربه وقد حمل إلى الأمير مع هذا ثلاثين ألف دينار هدية هي في منزلي فلم يجبه إلى ذلك وقال ما كنت لأصرف الحسين بن علي مع نصحه لي وتبركي به وله حق علي كثير هو الذي سعى لي حتى بلغت هذه الرتبة فلا ابتعي به بديلا فقال إن كرهت هذا فضمنه واسطا والبصرة فقال هذا أفعله ان رضي به أبو عبد الله الحسين بن علي. قال فتكتمه خوضنا في الكتابة ولا نذكرها. وحضر النوبختي بعد ذلك وعرض عليه هذا الرأي فضج منه وعدد مساوئ البريدي وغدره وكفره الصنائع ثم التفت إلى ابن مقاتل فقال ما قضيت حق هذا الأمير ولا نصحته ثم قال انا عليل أيها الأمير فان عشت وانا معك فهيهات أن يتم عليك شئ وان مضى في حكم الله فنشدتك الله ان تأنس بالبريدي أو تسكن إليه بشئ من أصناف حيله فدمعت عين ابن رائق وقال بل يحييك الله ويهلكه وكان الحسين بن علي عليلا من حمى وسعال ثم انصرف الحسين بن علي وابن مقاتل مغضب فقال لابن رائق قد حمل الرجل إليك ثلاثين ألف دينار ولا بد من أن تعمل به جميلا فاقبل أحمد بن علي الكوفي خليفة ونائبا عنه بحضرتك إلى أن ترى رأيك فقال أما هذا فنعم. وفي تجارب الأمم ان أبا عبد الله أحمد بن علي الكوفي استوحش من البريدي وخافه وأراد البعد منه وخاف بوادره فأطمعه في إفساد امر الحسين بن علي النوبختي مع ابن رائق وكان الحسين بن علي من أعدى الناس للبريديين فقبل منه البريدي ووافقه على ما يعمل به ويبذله من المال لإزالة امر الحسين بن علي النوبختي اه فكان هذا أحد الأسباب في إزالة أمر النوبختي وكتب ابن مقاتل إلى البريدي بما جرى بينه وبين ابن رائق فانفذ أحمد بن علي الكوفي إلى بغداد نائبا عنه وثقل الحسين بن علي النوبختي فتأخر عن الخدمة أياما وأقام مقامه ابن أخيه وصهره علي بن أحمد ليخلفه في مجلس ابن رائق ويوقع عنه فقال ابن رائق: حسن العهد من الايمان وهو من الأمير حسن ولكن إضاعة الأمور ليس من الحزم والنوبختي لا مطمع في عافيته فانظر لنفسك فان الأمور قد اختلت فقال إن الطبيب سنان ابن ثابت قد اخبرني الساعة بأنه صلح وأكل الدراج فقال ابن سنان رجل عاقل ولا يحب ان يلقاك فيمن يعز عليك بما تكره ولا سيما هو وزير الدولة اليوم ولكن صهره وابن أخيه وخليفته أحضره وحلفه ان يصدقك واساله عنه سرا يخبرك بحاله واجتمع ابن مقاتل بعلي بن أحمد وقال له قد قررت لك مع الأمير ابن رائق الوزارة مهدت لك أمرها وعمك ذاهب فإذا سالك عنه فاعلمه أنه على الموت لتتم لك الوزارة فاني سأطلب منه أن يقلدك إياها فيخلع عليك قبل ان يطمع فيها غيرك فاغتر علي بن أحمد بذلك وسأله ابن رائق عن عمه فغشي عليه ثم بكى ولطم وقال يبقي الله الأمير ويعظم أجره في أبي عبد الله فلا يعده الا من الأموات فاسترجع ابن رائق وحوقل وقال اعزر علي به لو فدي حي ميتا لغديته بملكي كله، وقال لابن مقاتل قد كان الحق معك قد يئسنا من النوبختي فما ذا نعمل قال هذا أبو عبد الله أحمد بن علي الكوفي نظير الحسين بن علي وكانا هو في نهاية الثقة والعفاف وهو صنيعتي إسحاق بن إسماعيل النوبختي خصيص أبي عبد الله البريدي وان أنت استكتبته اجتمع لك