الكاتب الانكليزي هارولد لامب وتعريب عمر أبو النصر مع زيادات من المعرب فوجدنا فيه ما يصلح ان يكون استدراكا على ما مر، فأثبتناه هنا مع اختصار.
صفته وبعض سيرته كان تيمور في شبابه قوي العضل قوي الجسم كبير الرأس منبسط الأعضاء واسع العينين تظهر فيهما الصرامة والقوة، وكان هادئ الحديث هادئ التفكير قوي الحجة. يضم إلى ذلك كله شدة وقوة عجيبتين وكان في امارته يحب الشجعان وينعم عليهم وما برح أميرا لم يلقب نفسه بألقاب الملك بل كان يكتفي بلقبه الأول لا يبدله بسواه وكان تيمور إذا سافر يحمل معه خيمتين إحداهما تتقدمه والأخرى تبقى معه فكلما وصل منزلا وجد خيمة جاهزة فينزل فيها ويقف حرسه المؤلف من اثنى عشر ألف جندي حولها.
أول زوجة تزوجها اسمها الجي كان آغا ولما ماتت حزن عليها حزنا شديدا. وما يقوله بعض المؤرخين من أنه قتلها انتقاما من معاملة أخيها الأمير حسين له كما مر نقله لا يؤيده الواقع لأن تيمور كان يحبها حبا جما وقد أحزنه موتها حزنا شديدا.
اهتمامه بطرق المواصلات وبالبريد اهتم تيمور بطرق المواصلات فعمر الجسور وأنشأ الطرق وأقام فيها حراسا وخيولا وكانت الرسل ترد عليه بكثرة من مختلف المدن بالاخبار وكلها صحيحة فلا يجسر أحد على ارسال خبر مكذوب أو مغلوط فان جزاء ذلك الموت.
فتحه البلاد الروسية لما نشا تيمور كانت المملكة المغولية في فجرها وعظمتها وهي مؤلفة من طوائف شتى المغول والروس والتتار والترك والأرمن وغيرهم، وكان أهلها يحكمون الأمراء الروس دون ان يقيموا بينهم، اما عاصمتهم فكانت تسمى ساري وهي واقعة على نهر الفولكافي قلب البلاد الروسية المعروفة عندنا اليوم، وكانوا يسيطرون على السياسة الأوروبية الشرقية في عهدهم، حتى أن جيشا منهم في الماضي تقدم إلى بولونيا نفسها، وكان يأتي إلى بلادهم كثير من تجار فينيس وإيطاليا وغيرهم.
قهره توكتاميش في قلب بلاد الروس مر عن التاريخ الفارسي ان توقتاميش أو توكتاميش كفر نعمة تيمور وحاربه مع أنه كان هو السبب في رجوعه إلى ملكه ولم يبين تفصيل هذا الاجمال ولا بينه غيره ممن مر ذكره، وقد بينه صاحب كتاب تيمور لنك المقدم ذكره فقال هرب توكتاميش أحد امراء بلاد القرم إلى بلاد تيمور وكان من اتباع الخان اورس الذي كان يحكم ساري. فأرسل الخان يطلبه من تيمور. وكان قتل ابن أحد كبارهم وان لم يسلمه حاربه. فأبى تيمور ان يسلمه. ثم مات الخان واخذ توكتاميش يطالب بالعرش وأعانه تيمور حتى جلس على العرش بعد ما كان طريدا. ثم كفر النعمة وحدثته نفسه بالاستيلاء على سمرقند. فهاجم حدود تيمور. وكان تيمور في جهات خراسان. فلما بلغه الخبر اسرع إلى ملاقاة توكتاميش. وكان ابنه عمر شيخ يحارب توكتاميش. فلما أبلغ توكتاميش قدوم تيمور اسرع إلى بلاده بعد ان خرب في طريقه كثيرا من المدن والمزارع. وكان ابن تيمور الأكبر قد تزوج خان زاده ابنة ملك كيفا فتوفي. وأثار أنسباء خان زاده بعض الفتن في جهات كيفا فذهب تيمور لاصلاح الحال. وعاد توكتاميش بجيش عظيم نحو مملكة تيمور. ولم يكن مع تيمور سوى عدد قليل من جيشه.
لأن معظم الجيش كان يحارب الثوار في جهات كيفا وغيرها. فأشار على تيمور قواده ونصحاؤه بالذهب إلى سمرقند لجمع الجيش والعود إلى قتال توكتاميش. فلم يقبل. وتقدم بجنده القليل نحو جند توكتاميش وراح يدور خلفه ليوهمه ان هناك مددا عظيما قادما اليه من وجهه. فرجع توكتاميش إلى بلاده. وعاد تيمور بجنده إلى جهات كيفا وارجانج فاستباحها وأعمل فيها السيف والنار ونقل من بقي من سكانها إلى سمرقند، وحارب الجاتية من المغول الذين كانوا قد رفعوا علم الثورة فأجلاهم عن البلاد إلى ما وراء الجبال. ولما انتهى من توطيد السلام في مملكته عاد إلى مهاجمة توكتاميش. وكان الوصول لتلك البلاد فيه مشقة عظيمة وصعوبة شديدة. فان نابليون لما غزا بلاد الروس بعد أربعمائة سنة من هذا العهد تمكن من الاستيلاء على موسكو ولكنه فقد أكثر جيشه الكبير فقد كان من المستحيل على جيش مهما كثر عدده وعدده ان يدوخ بلاد الروس ويخرج سالما لوعورة الأرض وصعوبة المفاوز وقلة الأقوات وبعد الشقة وكثرة الثلوج. والقيصر بطرس الأكبر ارسل جيشا إلى الجنوب سنة 1716 م لمحاربة سكان كيفا وبعض التركمان وكان طريقه على هذه البلاد التي يقيم فيها توكتاميش. فهلك فيها الجنرال الروسي البرنس بكوتوفيتش مع أكثر جنده وأخذ الباقون أسارى. وكذلك كان مصير جيش آخر بعد سنة من هذه الرحلة وقد هلك أكثره ومات عشرة آلاف جمل ومثلها من خيل عربات الزحف ونقل الذخائر. فتقدم تيمور من خصمه بشئ كثير من الحذر. وانتقل من حصن إلى حصن من الحصون القائمة على الحدود حتى اضطرته الثلوج إلى انتظار انتهاء فصل الشتاء فجاءته رسل توكتاميش بالهدايا وطلب الصلح والاعتذار عن الخطا الذي وقع منه. فقال لهم تيمور ان أميركم لما جاءني هاربا ساعدته بالرجال والمال على الخان وأرسلت معه جنودي ليجلس على العرش وقد هلك بعضهم بسبب ذلك فلما قوي تناسى خدماتي له واقتحم بلادي يهدم مدنها ويقتل أهلها ثم ارسل جيشا ثانيا لمحاربتي. فلما تقدمت نحوه ارسل يطلب الصلح. فانا لا أثق بعهوده فإن كان يريد الصلح حقا فليرسل وزيره علي بك للاتفاق معه. فلم يأت علي بك فتقدم تيمور بجنده بعد ان ارسل نساءه إلى سمرقند مع جند للمحافظة عليهن. ومشى تيمور وجنده على الثلج حتى وصلوا إلى بلاد يسميها ابن بطوطة بلاد الأشباح لأن أهلها لا يظهرون الا في الليل، وأغرب من ذلك ان الجيش لم يلاق في طريقه انسانا حتى الآن، وأرسل تيمور ابنه عمر شيخ مع عشرين ألفا للاستكشاف فأخبروا انهم عثروا بالقرب من نهر كبير على آثار نار، مما يدل على أن بعض جيش العدو كان هناك فاسرع تيمور إلى ذلك المكان وأرسل بعض عيونه، فقبض على فارس فسأله تيمور فقال إنه لا يعرف شيئا عن توكتاميش الا انه رأى عشرة فرسان يسيرون نحو الغرب، فأرسل فقبض عليهم فذكروا ان توكتاميش يبعد عن المكان الذي فيه تيمور مسيرة أسبوع، قال وليس بمقدور المؤرخ ان يصف هذا الجري السريع الذي كان تيمور يدفع رجاله اليه فقد كان فوق الطبيعة وفوق قوة الإنسان في هذه الأصقاع النائية وهو يقود مائة ألف جندي، وان حاجة هذا الجند الكثير إلى الغذاء والماء، لم