مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٧٨
صح أن أبا حنيفة كان يجهر بآرائه في نقد سياسة المنصور وأصحابه نقدا لاذعا يعلن عن مناوأته للخليفة ولعماله في شدة وطأتهم على العلويين على رؤوس الأشهاد، حتى قال له بعض أصحابه: " والله ما أنت بمنته حتى توضع الحبال في أعناقنا "، والواقع أن أبا حنيفة عارض سياسة الأمويين المجافية للدين والمبنية على اضطهاد العلويين قبل معارضته لسياسة العباسيين فرفض ولاية القضاء في أيام مروان بن محمد، وضرب وحبس في هذا السبيل، وفي هذا الامتناع الشديد عن ولاية القضاء في العصرين الأموي والعباسي بعد ذلك ما فيه من الدلالة على تبرمه بالسياسة وعلى مجافاته للحكام من أمويين وعباسيين، ويعده المؤرخون كافة من الموالين لآل علي، وكان لخروج زيد بن علي وقتله على الصورة التي قتل فيها - في أيام هشام بن عبد الملك - أثر عميق في نفسه ومشت بين زيد الشهيد وأبي حنيفة رسل وبعث إليه بمال وأطلعه على بعض الموانع التي منعته من الخروج.
ومما لا شك فيه أن اغتباط أبي حنيفة كان عظيما بزوال دولة بني أمية وانتقال الأمر إلى العباسيين، وتروى له خطبة في الكوفة عند بيعة السفاح استقبل فيها الدولة الناجمة استقبال الولي الناصر، ولم تعرف عنه خصومة لهذه الدولة في أيام السفاح وفي شطر غير قليل من أيام المنصور، ولما خرج محمد بن عبد الله النفس الزكية بعد مضي عشر سنوات على بيعة المنصور - وكانت تربط أبا حنيفة بالنفس الزكية رابطة قديمة إذ كان أبوه عبد الله بن الحسن من أجل أشياخه ظهرت الخصومة بينه وبين أمراء الدولة العباسية ولم يسعه إلا المجاهرة بآرائه في مناصرة العلويين، لذلك نرى كتب التاريخ حافلة باخبار سخطه على بني العباس بعد هذه الثورة وبعد مقتل العلويين الثائرين.
آراؤهم في الخروج على السلطان وقد عقد الخطيب فصلا عنوانه ذكر ما حكي عن أبي حنيفة من رأيه في الخروج على السلطان "، وهذا الفصل عبارة عن أحاديث يستنتج منها أن أبا حنيفة يرى الخروج بالسيف على سلطان زمانه الجائر، وقد ناقش هذه الروايات فريق من المؤلفين والمحدثين زاعمين أنها روايات واهية الأسناد، وقال آخرون: أنها كذب وافتراء على أبي حنيفة ودليلهم على ذلك أن فقهاء الحنفية مجمعون على القول بعدم جواز الخروج على السلطان وإن طاعته واجبة ما لم يأمر بمعصية، ويفهم مما قالوه أن ما نقله الخطيب في هذا الشأن لا أصل له في مذهب أبي حنيفة.
وممن ناقش الخطيب البغدادي فيما حكاه عن أبي حنيفة وأسند إليه والى أصحابه أقوالا تنافي الأقوال الواردة في تاريخه وأنكر تلك الأقوال المنسوبة إليه في جواز الخروج على ولاة الأمور الملك عيسى بن العادل الأيوبي في كتابه: " السهم المصيب " وقد نقل عن أبي حنيفة قوله " ولا نرى الخروج على أئمتنا وأولياء أمورنا وأن جاروا علينا وندعو لهم " ثم قال: " واجماع أصحاب أبي حنيفة على ذلك ".
ومن رأي بعض المؤرخين أن هذا القول مرجوح وإن في اجماعهم على محنته ما يكفي لترجيح قول القائلين بخلاف ذلك، فالمنصور أعقل من أن يؤذي أبا حنيفة لمجرد امتناعه عن القضاء وإنما اتخذ من هذا الإضراب ومن مواقف أخرى عارض أبو حنيفة رغبات المنصور ذريعة يتذرع بها لايقاع هذه المحنة، وقد ثبت أن في أعوان المنصور ووزرائه من يحرض على أبي حنيفة ويثير الخصومة بينه وبين الخليفة ومنهم الربيع بن يونس وأبو العباس الطوسي والأمير عيسى بن موسى أمير الكوفة الآنف ذكره وغير هؤلاء.
كان أبو حنيفة وهو في الكوفة يحث الناس على الخروج مع إبراهيم بن عبد الله ويأمرهم باتباعه ويشجع إبراهيم على الطلب بدم أخيه ويدعوه إلى نزول الكوفة مهونا عليه أمر عيسى وعمه المنصور، وقد أفتاه على ما يقول هذا الفريق ي أن يسير معهم سيرة جده مع أهل الشام، وكان بقاؤه في الكوفة - وهي علوية في دعوتها - خطرا على القوم، ولذلك هم واليها الأمير عيسى بهدر دمه ثم اكتفى بأن أشخصه من الكوفة إلى بغداد بأمر من المنصور، وتوفي أبو حنيفة سنة (151) على أصح القولين أي بعد مقتل إبراهيم بن عبد الله بست سنوات، ويجب أن تكون إقامته هذه المدة ببغداد أو أنه كان يتنقل بينها وبين الكوفة، وفي كيفية وفاته ببغداد أقوال بيد أن المؤرخين مجمعون على وفاته وهو في المحنة.
هذا ويلاحظ أن مذهب أبي حنيفة في الفقه أصبح مذهب الدولة العباسية في عصر الهادي والرشيد بعد أن نوهض صاحب المذهب في عصر المنصور، وقد اختير جل القضاة من بين المنتمين إلى المذهب المذكور، وكان لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة شان يذكر في ذلك حتى قيل: مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان الحنفي في الشرق والمالكي في الغرب، وكان مرد رغبة كثير من الطلاب بعد ذلك بدرس الفقه الحنفي إلى تولي المناصب القضائية أو مناصب التدريس.
محنة أخرى كان المنصور يلاحق من خرج مع محمد وأخيه إبراهيم أو أفتى بجواز الخروج معهما، وقد أجمعت كلمة المؤرخين على محنة امتحن بها مالك بن أنس المدني صاحب الموطأ فضرب بالسياط ومدت يداه حتى انخلعت كتفاه وقيل: ضرب سبعين سوطا في المدينة هذا ما أجمع عليه المؤرخون وأصحاب السير، وفي أسباب هذه المحنة المتفق عليها أقوال أشهرها فتوى مالك المعروفة في " يمين المكره "، وفي " طلاق المكره " إذا استفاض في كثير من كتب المؤرخين أن مالكا أفتى بجواز الخروج مع محمد بن عبد الله وبصحة البيعة له: فقيل له: أن في أعناقنا بيعة للمنصور فقال إنما بايعتم مكرهين أو قال: ليس على مكره يمين، وقد احتج من احتج بهذا الحكم على بطلان بيعة أبي جعفر المنصور وبايع أهل المدينة النفس الزكية، وعلى هذا فإن التحلل من بيعة أبي جعفر المنصور هو المقصود من هذه الفتوى ونفى آخرون عن مالك الخوض في السياسة والتحريض على السلطان ذاهبين إلى أن هذه الفتوى عامة لم تقصد بها نازلة أو حادثة بعينها، وهذا الفريق من المحدثين والمؤلفين يذهبون إلى أن مالكا التزم الحيدة في حرب المدينة بين الأمير عيسى بن موسى مقدم جيش المنصور والعلويين ومقدمهم النفس الزكية، بيد أن بعض حساد مالك ومثيري الخصومة بينه وبين المنصور استندوا إلى هذه الفتوى فيما جرى بين مالك ووالي المدينة.
دولة لبني الحسن في المغرب لم يكون بنو عبد الله بن الحسن الذين خرجوا على بني العباس في صدر دولتهم أو في خلافة خلفائهم الأول دولة تذكر في المشرق ولا أمهلتهم الأيام أن يقوموا بذلك وإن قامت لأعقابهم وأحفادهم امارات ودويلات بعد ذلك في بعض ديار العجم كبلاد الديلم وفي بعض بلاد العرب كاليمن، وإنما قلنا دولة في المشرق لأن بني الحسن كونوا لهم - والحق يقال - أكثر من دولة واحدة في المغرب الأقصى وفي بلاد الأندلس، عرفت الدولة الأولى في كتب التاريخ بدولة الأدارسة وعرفت الثانية بدولة بني حمود من أعقابهم، وقد استندت هاتان الدولتان في قيامهما على حزب لا يستهان بقوته وشدة مراسه قوامه البربر والمغاربة المراكشيون، وقد نسبت دولة الأدارسة إلى إدريس بن عبد الله بن الحسن والى ابنه الذي خلفه في المغرب وسمى باسمه، ويقال لإدريس ابن عبد الله " إدريس الأكبر تمييزا له عن ابنه الذي يقال له
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301