مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ١٣٦
سلامة نيات فاضل الجمالي أنه طلب الإبقاء على المجلس. لكن الأحداث لم تبرر ثقة الجمالي، فقد أصبحت المعارضة قوية ضده داخل المجلس.
لم تختلف سياسة الجمالي الخارجية عن سياسة نوري السعيد الخارجية مطلقا، فلم يظهر أي خلاف بين الرجلين في هذا الصدد، لكنهما اختلفا في نظرتهما للأمور الداخلية، فكان نوري ينتمي إلى المدرسة التقليدية، إذا جاز التعبير، أما الجمالي فكان ينتمي إلى مدرسة حديثة متنورة، وكان مقتنعا بآراء لم تكن صالحة في رأي نوري السعيد.
أخذ الدكتور فاضل الجمالي حزب نوري السعيد " حزب الاتحاد الدستوري " بنظر الاعتبار حين تأليفه لوزارته، لكنه لم يدخل فيها العناصر الأكثر طموحا وقربا من رئيس الحزب من أمثال خليل كبه وضياء جعفر، بل أدخل فيها أربعة أعضاء آخرين، كان جميل الأورفلي أمين صندوق " حزب الاتحاد الدستوري " أحدهم، وقد عهد إليه وزارة العدلية. والجمالي كان يبحث عن العناصر الشابة، المثقفة النزيهة. على أي حال تحولت تشكيلة الوزارة، وكيفية تأليفها إلى مبعث أمل لدى الكثيرين، فإن الشعب رحب بوزارة الجمالي، وعلق آمالا كبيرة عليها.
ارتاحت طبقة واسعة من الشباب المتنور بصورة خاصة من وزارة الدكتور محمد فاضل الجمالي، ولا سيما، شباب الشيعة، بينما أنها لم تكن مقبولة عند بعض الطبقات الأخرى، فبدأت المناورات والشائعات ضد الوزارة القائمة، وبدأوا يتهمون الجمالي بالطائفية في حين أن الرجل لم يكن يعرف روح الطائفية مطلقا، أنه كان عراقيا مخلصا، وكان عنده سعة صدر يتحمل الانتقاد.
في اعتقادي كان على الجمالي، وهو أصبح رئيسا للوزراء لأول مرة، أن يكون محيطا بكل أوضاع السياسة الداخلية، وكذلك التقاليد والعادات والأفكار حتى يثبت مركزه في رئاسة الوزارة، ولا ينكشف هذا الشكل الغريب، فيجعل المعارضة له قوية. وقد بدأت المعارضة في مجلس النواب الذي كان أعوان نوري السعيد يمثلون الأكثرية الساحقة من أعضائه. وكان من سلامة قلب فاضل الجمالي أنه طلب الإبقاء على المجلس، ولم يأخذ باقتراح حله لأنه كان يعتقد أن المجلس يؤيد أي رئيس وزراء يختاره الملك، ولكن يبدو لي أن ثقة الجمالي بالمجلس لم تكن في محلها، فبدأ المجلس يخلق له المشاكل. وعادة عندما يكون رئيس الوزراء غير مؤيد من المجلس فإنه يصعب عليه امرار بعض التشريعات أو القوانين، وكان البعض يتعمدون إحراج الجمالي الذي كان عليه، تجاه هذا الوضع، أن يتلمس معرفة رأي الملك ويرى إذ كان قد كسب ثقته إلى درجة أنه يستطيع أن يطلب حل المجلس، ويجري انتخابات جديدة ليأتي بمجلس آخر يكون إلى جانبه في سياسته الجديدة. كان على الجمالي أن يعمل ذلك، لأن استمرار الحكومة مع مجلس غير مؤيد له شئ غير طبيعي.
لكن الدكتور الجمالي كان من رأيه أن المجلس لابد أن يكون معه على أساس أن الملك اختاره، وأن من سياسة نوري السعيد التقليدية أن يكون هو وحزبه وأنصاره دائما مع العرش. لهذا لم يطلب الجمالي حل المجلس، وإجراء انتخابات جديدة، وعندما شعر بعدم تعاون المجلس معه فضل الانسحاب من الوزارة، مع العلم أن نوري السعيد كان يتنصل دائما من معارضة المجلس للجمالي، ولكني أعتقد شخصيا أنه لو كان نوري السعيد قد فرض تعليماته على أعضاء حزبه فإنهم كانوا يغيرون موقفهم من الوزارة، لأنهم كانوا لا يخالفون تعليماته.
كان يرأس المعارضة لحكومة الدكتور فاضل الجمالي في مجلس النواب أقرب الناس إلى نوري السعيد، وأعني به خليل كنه الذي كان نوري يثق به كثيرا، ويعتمد عليه إلى حد كبير. وهكذا بدأت بسرعة حملة واسعة ضد الوزارة داخل المجلس: بلغت الحملة أوجها في نيسان 1954، إذ بدأ النواب يحاولون عرقلة أعمال الوزارة ومشاريعها بصورة علنية. وحدث في ذلك الحين أن عرضت على المجلس ميزانية مديرية الأوقاف العامة للمصادفة عليها، فبدأت المناورات، حتى أن بعض أعضاء المجلس من النواب أعلنوا أشبه ما يكون بتمرد عندما خرجوا من المجلس وجلسوا في إحدى الصالات وكأنهم يقاطعون الجلسة، بل بدأ بعض النواب من الشيوخ بمغادرة المجلس، فأقنعتهم بصعوبة ليعودوا إلى أماكنهم حتى لا يختل الاجتماع.
عندما بلغت الأمور هذا الحد اقتنعت شخصيا بضرورة أن يقدم الجمالي استقالة وزارته، وكنت نائبا للرئيس فيها، وقد أيدني في ذلك كل من وزيري المالية علي ممتاز، والعدلية محمد علي محمود. وكان الجمالي نفسه مقتنعا بذلك، فهو لم يكن من النوع الذي يجب الدخول في المهاترات، وخلق المشاكل، لذا فإنه قدم استقالة وزارته دون أي تردد، وكان ذلك، على ما أتذكر، في أواسط نيسان (إبريل) سنة 1954.
وكان عهدا قصيرا، ومهما مع ذلك. وكما أسلفت حققت الوزارة العديد من المكتسبات، وهي كانت تمثل نوعا من التحول في حياة البلاد السياسية. وبالإضافة إلى الأشياء التي ذكرتها فإن وزارة الجمالي حاولت حل المشاكل المالية للبلاد بصورة جيدة، فأصدرت مراسيم بهذا الخصوص أعادت النظر في الضرائب، وفي بدلات إيجار العقارات، وفي أجور البريد وما شاكل من أمور وقضايا. وشكلت الوزارة أيضا مديرية عامة للسياحة ارتبطت مباشرة بمجلس الوزراء.
وقد وقعت أسوأ كارثة طبيعية في بغداد في آذار (مارس) 1954، أي في عهد وزارة الدكتور الجمالي الثانية، فكادت بغداد أن تغرق بسبب فيضان دجلة، وأصبحت الأوضاع حرجة للغاية، فكان الناس يعيشون في هلع وخوف، إلا أن إجراءات الحكومة، حالت دون وقوع الكارثة، وهذا ما يسجل أيضا لوزارة فاضل الجمالي.
أما على صعيد السياسة الخارجية، فلم يكن هنالك اختلاف جوهري بين سياسة الدكتور الجمالي وسياسة المرحوم نوري السعيد، سوى أن الجمالي بذل بعض الجهود الطيبة للتقريب بين وجهات نظر الدول العربية المختلفة، وازدادت الاتصالات والزيارات المتبادلة مع تلك الدول في عهده. كما حدث بعض التقارب مع مصر، وفي نيسان (إبريل) 1954 عقد مؤتمر لغرف التجارة والصناعة والزراعة العربية في بغداد حضرته وفود من مصر والأردن وسورية ولبنان وغيرها من الدول العربية. وعلى ما أتذكر جرت بعض الاتصالات بين اليمن والعراق، فكان إمام اليمن يرغب في توسط العراق في الخلافات القائمة بين بلاده وبريطانيا.
وقد بادر الدكتور الجمالي في هذا المجال إلى عمل مهم، وخطير باعتقادي، حين قدم مشروعا إلى الجامعة العربية في عهد وزارته الثانية اقترح فيه العديد من النقاط لتوحيد البلاد العربية، ومن أجل التقريب بين وجهات نظرها واعتقد أن نوري السعيد لم يكن مرتاحا من ذلك، فهو كان يرغب في أن يتم أي تقارب بين دول عربية وأخرى على يديه فقط، بينما كان الأمير عبد الإله يميل إلى خطوات الجمالي.
وعندما قدم الدكتور فاضل الجمالي استقالة وزارته الأولى (في الثامن من آذار سنة 1954) جرت المشاورات بصدد الشخص الذي يخلف الجمالي في تأليف الوزارة المقبلة، وكان نوري السعيد يومذاك في الخارج ولم يكلف بتأليف الوزارة على رغم أن مجلس النواب كان مجلسه. أما أنا فكنت لا أزال رئيسا للديوان الملكي. استدعاني الأمير عبد الإله ليتذاكر معي حول الموضوع. فأخبرني أن الجمالي قدم استقالته، وكان البلاط عادة يعرف بنية كل
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301