مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ١٤
تدور عليها القصيدة، وظاهر ان القضية ليست تعني الشاعر وحده، ولا الممدوح وحده، وإنما هي تعني قوما من الناس نحس أن الشاعر عظيم الاعتزاز بهم، عميق الثقة بسلامة قضيتهم التي تتحدث عنها القصيدة، ونجد في ذلك حرارة لا تكون في الشعر عادة الا أن تكون هنا مشاركة وجدانية بين الموضوع والشاعر:
وردوا إليك الرسل، والصلح ممكن وقالوا على غير القتال سلام فلا قول الا الضرب والطعن عندنا ولا رسل الا ذابل وحسام فان عدت، فالمجروح توسى جراحه، وان لم تعد متنا ونحن كرام فلسنا وان كان البقاء محببا - بأول من أخنى عليه حمام (1) وحب الفتى طول الحياة يذله وان كان فيه نخوة وعرام وكل يريد العيش، والعيش حتفه ويستعذب اللذات وهي سمام (2) فلما تجلى الأمر، قالوا تمنيا: ألا ليت أنا في التراب رمام وراموا التي كانت لهم وإليهم وقد صعبت حال وعز مرام وإذا كانت المصادر التي نرجع إليها الآن في سيرة أبي العلاء لا تلقي ضوءا على موضوع هذه القصيدة أو على صاحبها الذي يخاطبه فيها أبو العلاء، برغم الجهد الذي بذلناه في استنطاق الحوادث التي عاصرها الشاعر قبل رحلته إلى بغداد وبعد هذه الرحلة، وفي مقارنة روح القصيدة ومضامينها بتلك الحوادث نقول: إذا كانت المصادر لا توضح لنا شيئا يطمئن إليه الباحث بهذا الشأن، فإننا نميل إلى الحدس - الحدس وحسب - بأن أبا العلاء أنشأ هذه القصيدة خلال البرهة التي كانت الحرب فيها سجالا بين الفاطميين والبيزنطيين في بلاد الشام، وذلك قبل ان يرحل أبو العلاء إلى بغداد، وحين كان في المرحلة الأولى من حياته، مرحلة الشباب.
وهذا الحدس، إذا دعمه دليل أو شاهد تاريخي مقبول، إنما يوجه هذه القصيدة لأن يكون صاحبها الذي قيلت فيه واحدا من قادة الجيوش الفاطمية التي حاربت البيزنطيين في بلاد الشام نحو أربع سنوات، كما مر، فإذا استطعنا أن نطمئن إلى هذا التوجيه، وضعنا دليلا جديدا بيد الباحث الكبير مارون عبود على صحة رأيه بأن أبا العلاء كان فاطمي المذهب.
غير أن هذه النتيجة، إذا أمكن الوصول إليها من الوجهة التاريخية بالأقل، لا تمنع ان تظل القصيدة هذه ذات وجه عربي تتلامع فيه من أبي العلاء ملامح الاعتزاز بعروبته والانتخاء لكرامة قومه وعزتهم.
وقد تزيد هذه الملامح تألقا حين نطوف مرة أخرى في أشعار " سقط الزند " فإذا أبو العلاء يستوقفنا أيضا عند هذه القصيدة التي مطلعها:
إليك تناهى كل فخر وسؤدد فأبل الليالي والأنام وجدد ولكنه يبهم علينا الأمر هنا كذلك، فلا يزيد في عنوان القصيدة عن هذه الكلمات: " وقال أيضا مادحا "... أما من هو الممدوح هنا، فكل شئ مبهم لا يرد جوابا عن ذلك. ولا ندري أ كان قصدا من أبي العلاء إلى هذا الابهام، وهو جامع " سقط الزند " كما نعلم، أم كان ذلك من صنع الأيدي الكثيرة التي تداولت نسخ الديوان، أم من صنع الناشرين بعد ذلك؟
المرجح أن ذلك من صنع أبي العلاء نفسه، بدليل ما جاء في مقدمته لسقط الزند من اظهاره التنصل من مدائحه التي وجهها إلى الأمراء والحكام، إذ قال:
" ولم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد، ولا مدحت طالبا للثواب، وإنما كان ذلك على معنى الرياضة وامتحان السوس " الطبيعة ". ثم قال في تفسير مدائحه: "... وما وجد لي من غلو علق في الظاهر بآدمي وكان مما يحتمله صفات الله عز وجل سلطانه، فهو مصروف إليه، وما صلح لمخلوق سلف من قبل، أو غير، أو لم يخلق بعد، فإنه ملحق به وما كان محضا من المين لا جهة له، فأستقيل الله العثرة فيه ".
فإنه لظاهر من هذا النص أن أبا العلاء حين جمع " سقط الزند " وهو معتكف في " محبسيه " كان حريصا ان يتنكر لعلاقاته السابقة برجال السياسة أيام شبابه و قبل اعتكافه، وبتأثير هذا الحرص تعمد ان يغفل أسماء ممدوحيه في سقط الزند ليطمس معالم العهد الذي سبق عهد عزلته. وهذا سر آخر من أسراره التي غمضت على المؤرخين له والباحثين في شأنه. ولكن هل تنصل أبي العلاء من مدائحه تلك في عهد عزلته يغير شيئا من الواقع نفسه، نعني الواقع الموضوعي الذي أنشئت تلك القصائد من أجله؟ ان رغبة أبي العلاء ذات صفة أخلاقية وفكرية مرهونة بحاله في عهد خاص، وأما ذلك الواقع فله صفة تاريخية موضوعية لا يغيرها شئ.
ولكن مؤرخي أبي العلاء هم المقصرون، فلم ينفقوا جهدا في كشف العلاقة بين قصائد المدح وروابطها التاريخية، في حين ان مثل هذه المهمة تدخل في صميم التاريخ الحقيقي لرجل ذي شأن كشأن أبي العلاء... ويقينا لو أن المؤرخين، قدماء ومحدثين، قد عنوا بهذه المسألة لانكشفت لنا غوامض جمة من سيرة الرجل، ومن مذاهب الرأي فيه، ومن أسباب عزلته وتزهده، ومن اتجاهاته العقلية والدينية.
وكيف كان الأمر، فإن أبا العلاء يستوقفنا الآن في " سقط الزند " عند هذه القصيدة، فإذا نحن نعلم - كل ما نعلم - ان الممدوح بها أمير عربي محارب، وانه من القادة الذادة عن ثغور الدولة العربية الإسلامية على حدود الروم من شمال سورية، وذلك إذ يخاطبه أبو العلاء:
ولولاك لم تسلم " أفامية " الردى وقد أبصرت من مثلها مصرع الردي (3) فأنقذت منها معقلا هضباته تلفع من نسج السحاب وترتدي وحيدا بثغر المسلمين كأنه بفيه مبقى من نواجذ أدرد (4) بأخضر مثل البحر ليس اخضراره من الماء، لكن من حديد مسرد (5) وقبل أن نفرع من أمر هذه القصيدة، نرى من المهم أن نشير إلى بصيص من نور يلوح لنا خلال أبياتها، ذلك إذ ترد كلمة " الشريف " في هذه القصيدة مرتين يطلقها الشاعر على ممدوحه حين يخاطبه:
متى أنا في ركب يؤمون منزلا توحد من شخص " الشريف " بأوحد يذكرن من نيل " الشريف " مواردا فما نلن منه غير شرب مصرد فمن هو هذا " الشريف " المحارب للروم في عهد أبي العلاء إذ ثغور العرب قد تساقطت حصونها إلى أيدي الروم، ولم يبق منها غير واحد يسميه الشاعر " أفامية " وقد أنقذه هذا " الشريف " نفسه؟...
نرجع إلى التاريخ السياسي لذلك العهد، نبحث فيه عن قائد عربي شغل نفسه في محاربة الروم أيام كان أبو العلاء يمدح الأمراء والقواد، ويعني بالثناء على ذادة الثغور ومنقذي الحصون العربية من البيزنطيين أنفسهم. نرجع إلى ذلك التاريخ، فلا نجد من يصح أن يتوجه إليه مثل هذا الخطاب من أبي العلاء، ويكون مع ذلك من " الشرفاء "، غير قائد ينتسب إلى جيوش

(1) الحمام: الموت أختي عليه الموت أهلكه (2) سمام: جمع سم.
(3) أفامية: حصن على حدود الروم.
(4) الثغر هنا: هو الحد بين بلاد العرب وبلاد الروم. النواجذ: أقصى الأسنان. الأدرد: الذي تساقطت أسنانه. ويظهر من هذا البيت ان " أفامية " كانت الحصن الوحيد الباقي من ثغور العرب في أيديهم يوم قال الشاعر هذه القصيدة، ولذلك شبهة بالسن الباقية في فم الأدرد.
(5) مسرد: منسوج.
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301