مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ١٣٠
ومن المفارقات أن تكون شفاعة محمد الخامس هي التي أنقذت رأسه من حكم الإعدام وخمس وخمسين سنة سجنا أصدرته محكمة " المهداوي " عام 1958.
ومن المفارقات أن تكون مساعيه لوحدة سورية والعراق إحدى تهم الادعاء العام " الجمهوري " ضده.
كان الجمالي واضحا في فكره السياسي " أنا عراقي، أنا عربي، أنا مسلم "، العبارات التي لخص الدكتور الجمالي بها هويته الفكرية والسياسية التي لا يزال صداها في ذاكرتي من آخر حديث لي معه في لندن صيف 1996.
كان الجمالي مدركا أن العراق الحديث، الذي هو ثمرة وحدة ولايات البصرة وبغداد والموصل العثمانية سابقا، بحاجة إلى دعم دولي للوقوف على قدميه من ناحية وحماية كيانه من جيران طالما كانت أرض العراق ميدانا لحروبهم وغزواتهم. ويقول بوضوح أنه لولا التحالف مع بريطانيا لما تمتع العراق بحال من الاستقرار دامت حوالي أربعة عقود تم فيها رسم حدود البلاد مع معظم جيرانه، كما كان له الفضل في تفرغ العراق للبناء حتى أصبح على رأس دول العالم الثالث المرشحة للانتماء للعالم الأول.
وعند اشتداد الحرب الباردة كان خياره واضحا وصريحا بالانحياز إلى الغرب. وفي هذا كان صريحا في اجتماعات باندونع ومحادثاته مع جمال عبد الناصر. ورغم اختلافه مع عبد الناصر إلا أنه كان ضد التورط في صراع بين البلدين، ووقف علنا في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ويبدو أن هذه الوقفة كانت وراء برقية جمال عبد الناصر لعبد الكريم قاسم قائد ثورة تموز (يوليو) 1958 يرجو فيها عدم تنفيذ حكم الإعدام بالجمالي.
ولكن طالما ظلم الجمالي من جيل الأربعينات والخمسينات، وكاتب هذه السطور أحدهم، عندما اعتبرنا اجتهاده خيانة واختلافه جريمة، فكتب الدكتور الجمالي أخيرا في هذا الشأن يقول: " علاقتي بالولايات المتحدة هي علاقة ثقافية وصداقة عمرها 73 سنة، وعلاقتي بالسياسة الخارجية الأميركية علاقة الصديق مع الصديق، أقترح وأنتقد ولا أسكت إذا اعتدي على أمتي خاصة والإنسانية عامة، وربما كنت العربي النادر الذي يخاطب الأميركان مخاطبة الند للند وليس مخاطبة الضعيف للقوي. شعاري معهم، صديقك من صدقك. لم أسكت على الظلم الذي الذي ألحقوه بالشعب الفلسطيني في انحيازهم المفرط لإسرائيل. كما لم أسكت على المظالم التي أوقعوها على الشعب العراقي وأنا أنتقدهم دفاعا عن حقي وحفظا لسمعتهم وكرامتهم ومصالحهم في الشوط البعيد، فالولايات المتحدة دولة عظمى ليس بقوتها العسكرية وثروتها فحسب بل بمبادئها السامية التي ترفع بالإنسانية ".
وإذا كان الجمالي في خريف عمره يعاني من الخيبة من السياسة الخارجية الأميركية، فإن خيبته من الأطروحات والممارسات القومية العربية لم تكن أقل... فقد كتب في سنوات الغربة أخيرا يقول: " أنه مما يؤلم القومي العربي أشد الألم أن يرى أنه مضطر إلى أن يتوقف ثماني مرات في سفره بين عمان وبيروت في العهد الوطني بعد أن كان يمر بسهولة في أيام الاحتلال الأجنبي ".
إن البعد الآخر لثقافة الجمالي، بعد إسلامية مدارس الخالصي وقومية الجامعة الأمريكية في بيروت، هو نزعته التربوية التي تلقنها على يد أبرز التربويين، جون ديوي في جامعة كولومبيا، فمارس التعليم في البداية قبل الانتقال لعالم السياسية الأمر الذي ترك بصماته على مواقفه وتصريحاته، فطالما اختلط المربي بالسياسي، فكتب يقول تحت عنوان دور التربية والتعليم في تجديد بناء الأمة أن " العروبة أخلاق قبل كل شئ، ولكن كيف حال أخلاق العرب اليوم؟ لننظر إليها، ألا نشاهد ضعفا في الأمانة وزيادة في الخيانة...
هل لدينا مناعة ضد التجسس وخدمة النفوذ الأجنبي أما أن هناك من يبيع الوطن بدريهمات معدودات؟ ".
وطالما كرس جهده في تشخيص أمراض المجتمع العربي، فكان داعية للتسامح الديني والرافض للطائفية حيث قال: " وليس أدل على أن الطائفية ليست من الدين من قوله تعالى في القرآن الكريم: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ)، و " من المؤسف أن بعض البلاد العربية مني بحياة سياسية مؤسسة على أسس طائفية فيجب أن ينشأ الجيل الجديد تنشئة تقوم على القضاة على هذه الأحوال وأن يعرف جيدا بأن الفرص المتساوية والأخوة القومية والشعور الإنساني العام هي جوهر الدين وليست الطائفية من الدين في شئ ".
أما على الصعيد العراقي فقد لخص الجمالي رؤيته في كتاب نشر في بيروت عام 1969 تحت عنوان " رسالة مفتوحة إلى الشعب العراقي الكريم " تبقى إلى اليوم مرجعا علميا في تشخيص علل العراق وسبل خلاصه انطلاقا من ضرورة الوحدة الوطنية القائمة على الانتماء والولاء العراق أولا.
سألت الجمالي مرة، لماذا لم تفكر في إنشاء حزب سياسي عراقي إبان العهد الملكي، فكان جوابه صريحا إلى حد المرارة: لو كان هناك عشرة أشخاص مستعدين للتعاون المتكافئ لشكلت الحزب.
لم يزر الجمالي العراق منذ غادره عام 1961 بعد قضاء ثلاث سنوات في السجن ليستقر ضيفا على تونس التي أولته كل الرعاية وأصبح أحد الأعلام الثقافية هناك وسمي أحد شوارع العاصمة باسمه.
وهكذا وجد العرفان من هذا البلد الكريم في وقت بخل عليه العراق والعراقيون بما هو حق له (انتهى).
وكتب عنه فؤاد التكرلي ما يلي:
التقيته لقاء عابرا قبل أسبوعين من وفاته، في معرض تونس الدولي للكتاب الخامس عشر. كنت واقفا مع صحب في الجناح العراقي حين رأيته يسير بتثاقل في الممر متجها نحونا، يستعين بعصاه وبصديق يسنده برفق. كان مستبشرا، في بدلة بيضاء، يرد على محييه بابتسامته المميزة وبهزات من رأسه الأشيب. رحبنا به وبدا عليه انجذاب غريب نحو الكتب المسجاة أمامه على الطاولة، فانحنى متشبثا بعصاه وقرب عينيه من الصفحات، محاولا أن يتبين جيدا عناوينها. كان ذلك منظرا فريدا من إنسان يحمل أعباء زمن ثقيل، ولا تفارقه روح المحبة للقراءة والاطلاع.
طرق اسمه سمعي أول مرة في أوائل الأربعينات من هذا القرن، حين كنت، في بداية فترة المراهقة، اهتم بالأدب فقيل لي إن رواية ذنون أيوب (الدكتور إبراهيم) مستوحاة من شخصية موظف كبير في وزارة المعارف يدعى الدكتور محمد فاضل الجمالي، تسبب في إزعاج المؤلف حين نقله من بغداد إلى مدينة أخرى، ففقد ذلك العمل الأدبي الكثير من قيمته في نظري لاعتقادي آنذاك أنه كان مسخرا لخدمة عرض شخصي لا علاقة له بالآخرين.
ثم كان أن جمعتنا صدفة عجيبة في سنة 1947 ففي نسيان (إبريل) من تلك السنة أقيم احتفال الكليات الرياضي بحضور رجالات الحكم، وكنت مشتركا فيه عن كلية الحقوق، وحدث أن فزت بجائزة القفز العالي، فالتقطت لنا الصور ونحن نتسلم الميداليات من يد الوصي عبد الإله، وحينما رأيت الصورة التي أظهر فيها مصافحا الوصي وجدت أن الواقف بجانبه كان وزيرا
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301