مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ١٢٢
يطلب إليه أن يخبر الخليفة بمطامع ابن رائق في الشام ويستطلع رأيه في هذا الامر. غير أن الخليفة العباسي لم يكن إذ ذاك لديه من النفوذ بحيث يستطيع أن يتخذ قرارا يلزم أحد الفريقين باتباعه، لذلك استقر رأى الاخشيد على إعداد العدة لمحاربة محمد بن رائق، فخرج على رأس جيشه في أوائل سنة 328 ه‍، ودارت بينه وبين ابن رائق معركة في العريش، فمضى ابن رائق منهزما إلى الرملة، ثم عقد الصلح بين الفريقين على أن يحكم ابن رائق الولايات الشامية شمالي الرملة وعلى أن يدفع الاخشيد إليه جزية سنوية قدرها مائة وأربعون ألف دينار. ومن المحتمل أن الاخشيد اضطر إلى قبول الصلح على هذه الصورة رغم ما أحرزه من نصر خشية أن تواصل الخلافة العباسية الحملات عليه ورغبة في إعداد نفسه لدرء الخطر الفاطمي الذي كان يهدده من ناحية حدود مصر الغربية.
استطاع الاخشيد أن يعيد بلاد الشام إلى حوزته من غير حرب بعد وفاة ابن رائق، وبذلك استقر حكمه في هذه البلاد وأصبح من القوة بحيث استطاع أن يحصل على تقليد في بداية سنة 333 ه‍ من الخليفة المتقى بولاية مصر وحق توريث إمارتها لأبنائه من بعده، كما أخذ تقليدا من الخليفة المستكفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، أقره فيه على ولاية مصر والشام.
لم يحتفظ الإخشيد فترة طويلة بسلطانه على جميع بلاد الشام ويرجع السبب في ذلك إلى تطلع الحمدانيين (1) إلى انتزاع هذه البلاد من أيدي الإخشيديين، فلما أسندت ولاية حلب إلى أبي الفتح عثمان بن سعيد الكلابي حقد عليه أهل بيته من الكلابيين وراسلوا سيف الدولة بن حمدان ليسلموا إليه حلب. وكان سيف الدولة قد طلب من أخيه ناصر الدولة أن يوليه إحدى الولايات، فقال له ناصر الدولة: الشام أمامك وما فيه أحد يمنعك منه. فلما وقف سيف الدولة على الخلاف القائم بين الكلابيين وأيقن من عجز أبي الفتح والي حلب عن مقاومته، سار في جيشه الصغير قاصدا حلب، فقابله إخوة أبي الفتح الكلابي عند نهر الفرات وأعلنوا ولاءهم له، كما أن أبا الفتح نفسه ما لبث أن لقي سيف الدولة ودخل في طاعته، وبذلك تيسر لسيف الدولة الاستيلاء على حلب وأصبح أميرا عليها منذ سنة 333 ه‍، وبدأ عمله بإقامة الخطبة للخليفة العباسي المكتفي ولأخيه ناصر الدولة ولنفسه.
لما وصل إلى محمد بن طغج الإخشيد نبأ دخول سيف الدولة حلب وإقامته الخطبة للخليفة العباسي، كتب إلى الخليفة بذلك، فأرسل إليه وإلى ابنه أونوجور خلعا دليلا على تأييده له. على أن سيف الدولة ما لبث أن كشف عن نواياه بعد أن استقرت له الأمور في حلب، فسار إلى حمص يريد دمشق. ولما بلغ الإخشيد أن سيف الدولة عزم على بسط سلطانه على دمشق، أرسل إلى الشام جيشا التقى بسيف الدولة عند بلدة الرستن (2)، فكان النصر حليف الحمدانيين، وتقهقر الجيش الأخشيدي إلى دمشق، ثم خرج منها قاصدا الرملة في طريق عودته إلى مصر، وسار سيف الدولة في أثر الجند المصريين يريد دمشق، وكتب إلى أهلها كتابا، قرئ على منبر المسجد الأموي. وقد تضمن هذا الكتاب حرصه على صيانة أرواحهم والمحافظة على أموالهم.
استقر رأى محمد بن طغج الاخشيد بعد أن وصلته نسخة من كتاب سيف الدولة على أن يسير بنفسه لمحاربته، فاستخلف على مصر ابنه أونوجور وسار على رأس جيش كبير إلى دمشق، والتقى الفريقان في قنسرين. وكان النصر في البداية حليف سيف الدولة، غير أن هذا النصر ما لبث أن انقلب إلى هزيمة، فدخل الاخشيد حلب حاضرة الحمدانيين واسترد دمشق.
وعلى الرغم من انتصار الاخشيد، فإنه رأى أن يصالح الحمدانيين، وتم الصلح بين الأميرين في ربيع الأول سنة 334 ه‍، على أن يكون لسيف الدولة حلب وما يليها من بلاد الشام شمالا، وأن يكون للإخشيد دمشق وأعمالها، كما تضمن الصلح أن يدفع الاخشيد لسيف الدولة جزية سنوية.
ومن المرجح أن الاخشيد سعى إلى عقد الصلح مع سيف الدولة لأنه كان يعتقد أن انتصاره عليه لم يكن حاسما وأن الحرب بينهما ستظل قائمة إلى أن يتم النصر لسيف الدولة، كما أنه كان على يقين من أن النزاع بينه وبين الحمدانيين على الشام سينتهي بانتصارهم عليه لأن هذا الإقليم يعد المجال الحيوي لاتساع سلطانهم، وفضلا عن ذلك فإن الإخشيد كان يرمي من إبرام الصلح مع سيف الدولة على هذه الصورة أن يبقي الدولة الحمدانية حصنا منيعا بينه وبين البيزنطيين يكفيه مؤونة التعرض لهجومهم من وقت لآخر.
لما خلت دمشق من حامية قوية ترد غارة الحمدانيين على أثر وفاة محمد بن طغج الاخشيد وعودة جنده من الشام إلى مصر، انتهز هذه الفرصة سيف الدولة الحمداني واتجه إليها بجيشه، فسقطت في يده بعد أن استسلم إليه حاكمها الإخشيدي، ولم يكتف بذلك، بل عمد إلى مطالبة أهلها بودائع الإخشيد، فكاتبوا كافورا يستدعونه من مصر، فجاءهم بصحبة سيده أونوجور، ثم دار القتال بين الفريقين، فكان النصر حليف المصريين وتقهقر سيف الدولة إلى دمشق فحمص حيث أعاد تنظيم صفوفه، وجمع جيشا كبيرا من الأعراب هاجم به الجنود المصرية شمالي دمشق، فلحقت به الهزيمة وطارده الإخشيديون إلى حلب، فهرب إلى الرقة، ثم بدأت المفاوضات بين الحمدانيين والإخشيديين، وانتهت إلى عقد معاهدة الصلح بنفس الشروط التي كانت بين الإخشيديين وسيف الدولة ما عدا الجزية، فإن الإخشيديين لم يقبلوا دفعها وكان من نتائج هذا الصلح أن ساد الصفاء بين الحمدانيين والإخشيديين (انتهى).
وننشر هنا كلمة للكاتب إبراهيم ونوس علق بها على كلمة لكاتب زعم أن

(1) ينسب الحمدانيون إلى حمدان بن حمدون من قبيلة تغلب وموطنها ديار ربيعة في الجزيرة بالقرب من سنجار ونصيبين، وكان لحمدان ستة أولادهم: إبراهيم والحسين ونصر أبو السرايا وأبو الهيجاء عبد الله، وأبو العلاء سعيد، وداود، وقد ظهر نفوذ الحمدانيين في الموصل منذ أن تقلد ولايتها عبد الله بن حمدان من قبل الخليفة الكتفي سنة 293 ه‍، (ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج 1، ص 175). ولما ولي المقتدر الخلافة أقره واليا عليها، فظل يلي أمورها حتى ستة 317 ه‍ حيث اشترك في المؤامرة التي دبرت لخلع المقتدر، فكان مصيره القتل (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة، ج 3 ص 223).
على أن الخليفة المقتدر رغم ذلك حرص على الاستعانة بالحمدانيين وعلى الأخص في إقليم الجزيرة لاعتقاده أنهم يستطيعون إخماد حركات القبائل المتنافرة بهذا الإقليم، فأسند إلى الحسن بن عبد الله بن حمدان ولاية الموصل. وقد استطاع هذا الأمير أن يحتفظ بنفوذه في الموصل منذ سنة 317 ه‍، كما تمكن من بسط سلطانه على جميع أرجاء ديار بكر وديار ربيعة (ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 8 ص 67، 68).
ولما استولى البريديون على بغداد ونهبوا دار الخلافة اضطر الخليفة المتقي إلى الهرب منها وسار مع فريق من جيشه إلى الموصل، فقضى بها ما يقرب من أربعة أشهر، ثم عاد إلى بغداد في شوال سنة 330 ه‍، وعلا منذ ذلك الوقت شأن بني حمدان، فخلع المتقي على الحسن بن عبد الله ولقبه ناصر الدولة كما خلع على أخيه علي بن عبد الله ولقبه سيف الدولة (مسكويه: تجارب الأمم، ج 2، ص 28).
(2) تقع على نهر العاصي الذي يمر بالقرب من حماه.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301