فخرج سعيد إلى الناس فقال: أيها الناس قوم تنازعوا وتهاونوا وقد رزق الله العافية، ثم قعدوا وعادوا في حديثهم وتراجعوا وسألهم (1) وردهم، ولما أفاق الرجلان قال لهما: أبكما حياة؟
قالا: قتلتنا غاشيتك.
قال: لا يغشوني والله أبدا، فاحفظا على ألسنتكما ولا تجرئا علي الناس، ففعلا.
وحفظ عن سعيد أنه قال: إنما هذا السواد بستان قريش، وكان حاضرا مالك بن كعب الأرحبي والأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس النخعيان وغيرهم، فزادوا عليه وأساؤا إلى صاحب شرطته، فمنعهم سعيد أن يسمروا عنده (2).
ولما انقطع رجاء أولئك النفر عن غشيان مجلسه وقعدوا في بيوتهم، أقبلوا على الإذاعة وشتم عثمان وسعيد، حتى لامه أهل الكوفة في إرخاء الحبل لهم والسكوت عنهم على ما بهم من شر، وكتب سعيد وأشرافهم إلى عثمان في إخراجهم من الكوفة.
فكتب إليهم: إذا اجتمع ملأكم على ذلك فألحقوهم بمعاوية.
فأخرجوهم إليه، فذلوا وانقادوا وخرجوا حتى أتوه فوبخهم، ثم جاء الأمر من عثمان بإعادتهم إلى الكوفة، ولكنهم أشفقوا من ذلك، فبقوا في الجزيرة، وفي تلك الأثناء فرق سعيد العمال والأمراء فيما يليه من فارس، فخلت الكوفة من الرؤساء والأشراف وأهل السابقة، وكان سعيد قد خرج إلى عثمان فلم يفجأ الناس إلا بهم قد عادوا إلى بغيهم وفسادهم، فلما أراد سعيد العودة إلى الكوفة تلقوه من الجرعة وردوه لا يريدون دخوله عليهم أميرا، فعاد إلى عثمان فلم يغير من إرادة القوم، وأرادوه على أن يولي عليهم أبا موسى الأشعري، فنزل عندما يريدون وولى عليهم أبا موسى وصرف سعيدا عنهم، وكانت تلك الحادثة سنة 33 (3).