لحقت، حتى ما ينظر إلى ذي شرف وبلاء من نازلتها ولا نابتتها.
فكتب إليه عثمان:
أما بعد ففضل أهل السابقة والقدمة ممن فتح الله عليه تلك البلاد، وليكن من نزلها بسببهم تبعا، إلا أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به وقام به هؤلاء، واحفظ لكل منزلته وأعطهم جميعا بقسطهم من الحق، فإن المعرفة بالناس بها يصاب العدل.
فأرسل سعيد إلى وجوه الناس من أهل أيام القادسية فقال: أنتم وجوه من وراءكم والوجه ينبئ عن الجسد، فأبلغونا حاجة ذي الحاجة وخلة ذي الخلة، وأدخل معهم من يحتمل من اللواحق والروادف (1) وخلص بالقراء والمتسمتين في سمره، فكأنما كانت الكوفة يبسا شملته نار، فانقطع إلى ذلك الضرب (ضربهم) (2) وفشت القالة والإذاعة.
وذلك أمر طبيعي، لأن أولئك الشاغبين الذين أزالوا سلطان الوليد، كانوا يرون أقل جزاء لهم من سعيد أن يشركهم في سلطانه، ولا يصدر إلا بإذنهم ولا يورد إلا عن رأيهم، فلما فاتهم ما أملوا في سلطانه عادوا سيرتهم الأولى.
كتب سعيد إلى عثمان بأمرهم، فلما وصل إليه كتابه نادى مناديه الصلاة جامعة، فاجتمعوا فأخبرهم بالذي بلغه من أول ولايته وبما كتب به إليه وبما جاءه من القالة والإذاعة.
فقالوا: أصبت فلا تسعفهم في ذلك ولا تطمعهم فيما ليسوا له بأهل، فإنه إذا نهض في الأمور من ليس لها بأهل لم يحتملها وأفسدها.
وقد أشار عثمان على من في المدينة أن يستبدلوا بأموالهم في الحجاز وجزيرة العرب أموالا بنواحي الكوفة وفارس، وقصده من ذلك أن يوجد في هذه الأمصار قوما من أهل السابقة والفضل ليكونوا سادتهم وقادتهم، وتنقطع أطماع غيرهم في السياسة والرئاسة، فلم يجد ذلك نفعا، بل زاد الأمر ونما غرس الفساد (3).