الدولة العباسية.
وكانت إمارة الاستكفاء هذه من جملة الأسباب التي ساعدت على تشعب المملكة العباسية إلى دولة مستقلة، لأن الوالي كان يقيم في ولايته كأنه ملك مستقل إلا فيما يتعلق بإرسال فضلات الخراج إلى الخليفة والخطبة له وضرب النقود باسمه وأمور أخرى لا تضغط على ارادته، فإذا كان الوالي ذا دهاء وأنس من الخليفة ضعفا جمع أهل الإقليم على ولائه واستقل بعمله إما استقلالا تاما وإما على مال معين يبعث به إلى الخليفة ببغداد، أو على شروط أخرى، وعلى نحو هذا النمط استقل الأغالبة في أفريقية وابن طاهر في خراسان وابن طولون في مصر، ولكن تلك الأقاليم ما زالت تعد إمارات عباسية ويعبرون عنها بإمارة الاستكفاء.
وأما إمارة الاستيلاء - ويراد بها أن يعقد الخليفة لأمير على إقليم اضطرارا بعد أن يستولي الأمير على ذلك الإقليم بالقوة - فكان الخليفة يثبته في إمارته ويفوض إليه تدبير سياسته، فيكون الأمير باستيلائه مستبدا بالسياسة والتدبير، والخليفة بإذنه منفذا لأحكام الدين، ولهذه الإمارة شروط تفرض على الأمير في مقابل ذلك وهي:
1 - حفظ منصب الإمامة في خلافة النبوة وتدبير أمور الملة.
2 - ظهور الطاعة الدينية.
3 - اجتماع الكلمة على الألفة والتناصر، لتكون للمسلمين يد على سواهم.
4 - أن تكون عقود الولايات الدينية جائزة والأحكام فيها نافذة.
5 - أن يكون استيفاء الأموال الشرعية بحق تبرأ به ذمة مؤديها.
6 - أن تكون الحدود مستوفاة بحق وقائمة على مستحق.
7 - أن يهتم الأمير في حفظ الدين، ولأمير الاستيلاء أن يستخدم الوزراء وغيرهم.
ومن هذه الإمارات ما انتهت إليه الدولة العباسية من التشعب وظهور الدول الصغرى فيها، كالدولة الحمدانية والبويهية والغزنوية والإخشيدية وغيرها، وكلها كانت إمارات مستقلة تدعو للخليفة على المنابر وتضرب السكة باسمه وترسل إليه مالا معينا في السنة يتم الاتفاق عليه، وهو الذي يثبت أمراءها ويكون متسلسلا في أعقابهم على نحو حال الخديوية المصرية بالنظر إلى الدولة العثمانية، هذا كله في الإمارة العامة.