ولوه عليه قبل خروجه لفتحه أو شرطوا عليه إذا فتحه فهو أمير عليه، وكان ذلك شأنهم من أيام النبي (صلى الله عليه وآله)، فإنه أرسل في السنة الثامنة للهجرة أبا زيد الأنصاري وعمرو بن العاص ومعهما كتاب منه يدعو الناس إلى الإسلام وقال لهما: «إن أجاب القوم إلى شهادة الحق وأطاعوا الله ورسوله، فعمرو الأمير وأبو زيد على الصلاة وأخذ الإسلام على الناس وتعليمهم القرآن والسنن» وكان كذلك (1).
فلما تولى أبو بكر وبعث البعوث لفتح الشام، كان إذا عقد لأحدهم لواء على بلد أو إقليم ولاه عليه قبل ذهابه لفتحه، هكذا فعل في أول بعث بعثه، وهم ثلاثة:
فعقد لواء لعمرو بن العاص وأمره أن يسلك طريق إيلة عامدا إلى فلسطين، وعقد لواء آخر ليزيد بن أبي سفيان وأمره أن يسلك طريق تبوك إلى دمشق، وعقد لشرحبيل بن حسنة على أن يسير في طريق تبوك أيضا إلى الأردن، وولى كل واحد منهم البلد الذي هو سائر لفتحه وقال لهم: إذا كان بكم قتال فأميركم الذي تكونون في عمله (2).
ولما تولى عمر بن الخطاب الخلافة ولى أبا عبيدة بن الجراح أمر الشام كله وإمرة الأمراء في الحرب والسلم (3)، فأشبه عمله هذا ما كانت عليه الشام قبل فتحها وهي أن يكون على كل إقليم عامل وعلى عمال الأقاليم وال عام كما رأيت.
ولكن حاكم الروم العام كان يقيم في أنطاكية، فاختار المسلمون دمشق بدلا منها لبعدها عن البحر وقربها من بلاد العرب، عملا برغبة عمر بن الخطاب أن لا يقيم المسلمون في مكان يحول بينه وبينهم ماء.
وكانت ولاية الأعمال في بادئ الرأي أشبه بالاحتلال العسكري منه بالتملك، وكان العمال أو الولاة عبارة عن قوات الجند المقيم بضواحي البلاد المفتوحة، بما يعبرون عنه بالرابطة أو الحامية، وكانت الجنود الإسلامية منقسمة إلى قوات تقيم في محطات عسكرية بأماكن أقرب إلى طريق الصحراء منها إلى السواحل للأسباب التي قدمناها.
فكانت عساكر الشام أربعة أجناد تقيم في: دمشق وحمص والأردن