الأموال منه إلى منتهى القصر يمنة عن القبلة، ثم مد به عن يمين ذلك إلى منقطع رحبة علي بن أبي طالب (عليه السلام) والرحبة قبلته، ثم مد به فكانت قبلة المسجد إلى الرحبة وميمنة القصر، وكان بنيانه على أساطين من رخام كانت لكسرى بكنائس بغير مجنبات، فلم يزل على ذلك حتى بني زمان معاوية بن أبي سفيان بنيانه اليوم على يدي زياد، ولما أراد زياد بنيانه دعا ببنائين من بنائي الجاهلية فوصف لهم موضع المسجد وقدره وما يشتهي من طوله في السماء وقال: أشتهي من ذلك شيئا لا أقع على صفته.
فقال له بناء قد كان بناء لكسرى: لا يجيء هذا إلا بأساطين من جبال أهواز تنقر ثم تثقب ثم تحشى بالرصاص، وبسفافيد الحديد فترفعه ثلاثين ذراعا في السماء ثم تسقفه وتجعل له مجنبات ومواخير فيكون أثبت له.
فقال: هذه الصفة التي كانت نفسي تنازعني إليها ولم تعبرها.
وغلق باب القصر وكانت الأسواق تكون في موضعه بين يديه، فكانت غوغاؤهم تمنع سعدا الحديث.
فلما بنى ادعى الناس عليه ما لم يقل وقالوا: قال سعد: سكن عني الصويت.
وبلغ عمر ذلك، وأن الناس يسمونه: قصر سعد، فدعا محمد بن مسلمة فسرحه إلى الكوفة وقال: اعمد إلى القصر حتى تحرق بابه ثم ارجع عودك على بدئك.
فخرج حتى قدم الكوفة فاشترى حطبا ثم أتى به إلى القصر فأحرق الباب، وأتى سعدا فأخبر الخبر فقال: هذا رسول أرسل لهذا من الشأم.
وبعث لينظر من هو، فإذا هو محمد بن مسلمة، فأرسل إليه رسولا بأن ادخل فأبى، فخرج إليه سعد فأراده على الدخول والنزول فأبى وعرض عليه نفقة فلم يأخذ، ودفع كتاب عمر إلى سعد: بلغني أنك بنيت قصرا اتخذته حصنا ويسمى قصر سعد، وجعلت بينك وبين الناس بابا، فليس بقصرك ولكنه قصر الخبال، انزل منه منزلا مما يلي بيوت الأموال وأغلقه، ولا تجعل على القصر بابا يمنع الناس من دخوله وتنفيهم به عن حقوقهم ليوافقوا مجلسك، ومخرجك من دارك إذا خرجت.
فحلف له سعد ما قال الذي قالوا، ورجع محمد بن مسلمة من فوره حتى إذا دنا من المدينة فنى زاده، فتبلغ بلحاء من لحاء الشجر فقدم على عمر وقد سبق فأخبره