قال العلامة الخبير السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم في كتاب زيد الشهيد صفحة 153: ليس بالهين معرفة موقع الكناسة مع ما لها من الشهرة وتكرر الذكر في صفحات التاريخ بمناسبة الحوادث الواقعة فيها، إذ لم تكن خارطة تخطط أرجاءها ولا بقيت من آثارها ما يتعرف بها الأحوال إلا أعلام دارسة وصوى (1) مجهولة، كما هو الشأن في آثار الأمم البائدة والديار الخاوية، فليس في وسع المنقب الجزم بشيء منها إلا بالتقريب بالوقوف على الرسوم والأتلال والحفريات، أو الركون إلى كلمات مستطردة خلال السير، وحتى الآن لم يتسن لنا شيء من تلك القرائن سوى ما وجدناه في فلك النجاة للعلامة الحجة السيد مهدي القزويني (قدس سره): إن المشهد المعروف لزيد بن علي الذي يزار ويتبرك به محل صلبه وحرقه (2).
وهذه الكلمة من سيدنا البحاثة، يجب الاحتفاظ بها لما هو المعهود من غزارة علمه وسعة إحاطته، وقد وثق بها وأرسلها إرسال المسلمات أخذا عن أوثق المصادر المتوفرة عليه، لذلك لم تترك لنا منتدحا عن الإذعان بها بأن هذا المشهد القائم في شرق قرية ذي الكفل واقع في محل الكناسة، ويشهد له أن الصلب وأشباهه مما يقصد فيه الإرهاب وتمثيل قوة البأس وشدة السلطان، لا يكون إلا في المحتشدات العامة ومختلف زرافات الناس، وهذا الموضع قريب من النخيلة وهي العباسية في كلام ابن نما (3)، والعباسيات اليوم، ولا شك أن النخيلة كانت باب الكوفة للخارج إلى الشام والمدائن وكربلاء، ومن هنا عسكر فيها علي (عليه السلام) لما خرج إلى صفين، وعسكر الحسن بن علي (عليه السلام) لما خرج إلى معاوية، وعسكر ابن زياد لما جهز الجيوش لحرب الحسين (عليه السلام)، فمناسب أن يكون الصلب في الموضع العام أو بالقرب منه، على أن لا يفوت الغرض المقصود من الإرهاب وإراءة الغلبة وقوة السلطان، وهذا الاعتبار يؤيد ما أرسله السيد المتتبع، وبقي تحديد الموضع الذي دفن فيه قبل النبش والإخراج على ذمة التاريخ وسعة المنقب.