الحمير، قال: فأنت شر من الحمار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق وأنت الكاذب، وجاء الجلاس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحلف ما قال من ذلك شيئا فأنزل الله - تعالى - على نبيه فيه: ﴿يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر﴾ (1) ونزلت فيه أيضا: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله)... الآية، وكان للجلاس دية في الجاهلية على بعض قومه وكان محتاجا، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذها له فاستغنى بها، وقال مخشي بن حمير: قد والله يا رسول الله قعد بي اسمي واسم أبي، فكان الذي عفى عنه في هذه الآية مخشي بن حمير فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أو عبد الله وسأل الله - تعالى - أن يقتل شهيدا ولا يعلم بمكانه، فقتل يوم القيامة ولم يوجد له أثر.
ويقال في الجلاس بن سويد: إنه كان ممن تخلف من المنافقين في غزوة تبوك فكان يثبط الناس عن الخروج، وكانت أم عمير تحته وكان عمير يتيما في حجره ولا مال له، فكان يكفله ويحسن إليه، فسمعه وهو يقول: والله لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير! فقال له عمير: يا جلاس قد كنت أحب الناس إلي، وأحسنهم عندي أثرا، وأعزهم علي أن يدخل عليه شئ نكرهه، والله لقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك، ولئن كتمتها لأهلكن، وإحداهما أهون علي من الأخرى! فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم الجلاس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى الجلاس مالا من الصدقة لحاجته وكان فقيرا فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجلاس فسأله عما قال عمير فحلف بالله ما تكلم به قط، وأن عميرا لكاذب - وهو عمير بن سعيد - وهو حاضر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام وهو يقول: اللهم أنزل على رسولك بيان ما تكلمت به، فأنزل الله - تعالى - على نبيه: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) إلى قوله: (أغناهم الله ورسوله من فضله)، للصدقة التي أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الجلاس: اسمع! الله قد عرض علي التوبة، والله لقد قلت ما قال عمير ولما اعترف بذنبه وحسنت توبته ولم يمتنع عن خير كان يصنعه إلى عمير بن سعيد، فكان ذلك مما قد عرفت به توبته. والله - سبحانه وتعالى - أعلم.