سفرنامه - ناصر خسرو - الصفحة ١١٢
ولا أذكر مناسك الحج ووصف مكة الآن سأذكر ذلك عند ذكر آخر نوبة للحج حين بقيت ستة أشهر بمكة مجاورا وسأشرح ما رأيت ثم توجهنا ناحية مصر فبلغناها بعد خمسة وسبعين يوما وقد هاجر إليها من الحجاز في هذا العام خمسة وثلاثون ألف آدمي فكساهم السلطان وأجرى عليهم الرزق سنة كاملة وقد كانوا جميعا جائعين عرايا ولما أمطرت السماء في بلادهم وكثر فيها الطعام كساهم السلطان صغيرهم وكبيرهم وأغدق عليهم الصلات ثم رحلهم إلى الحجاز وفي شهر رجب سنة أربعين وأربعمائة (ديسمبر سنة 1048) قرأوا على الناس مرة أخرى مثالا للسلطان بأن في الحجاز قحطا وليس من الخير أن يسافر الحجاج فلينفقوا المال على أنفسهم وليفعلوا ما أمر الله به وفي هذه السنة أيضا لم يسافر الحجاج ولكن السلطان لم يقصر البتة في إرسال ما كان يرسله كل سنة من الكسوة وأجور الخدم والحاشية وأمراء مكة والمدينة وصلة أمير مكة وقد كانت ثلاثة آلاف دينار في الشهر وكانت ترسل اليه الخيول والخلع مرتين في السنة وعهد بهذا في هذه السنة إلى رجل اسمه القاضي عبد الله من قضاة الشام وقد ذهبت معه من طريق القلزم وقد بلغت السفينة الجار في الخامس والعشرين من ذي القعدة وكان موعد الحج قد قرب كثيرا وكان الجمل يؤجر بخمسة دنانير فذهبنا مسرعين بلغت مكة في الثامن من ذي الحجة وأديت فريضة الحج بعون الله سبحانه وتعالى وقد حدث أن قافلة عظيمة أتت للحج من بلاد المغرب وفي أثناء عودة حجاجها عند باب المدينة المنورة طلب العرب الخفارة منهم فقامت الحرب بينهم وقتل من المغاربة أكثر من ألفي رجل ولم يعد كثير منهم إلى المغرب وفي هذه الحجة أيضا قام جماعة من أهل خراسان عن
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»