العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٥٣
وسلم وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر، في مثل سنه وهيئته، وأكثرنا لم يكن رآه، وركبه الناس وما نعرفه من أبى بكر حتى زال الظل عن النبي عليه السلام، فقام أبو بكر فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك. فهذا هذا.
ثم لما كان بعد ذلك في يوم بدر. ودلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عزم على محاربة قريش قال له سعد: يا نبي الله، لنبني لك عريشا فتكون فيه ونقاتل بين يديك، فأذن لهم فبنوه له، فعدل إليه بعد أن عبأهم وأقامهم على مصافهم وعلى مراتبهم. فدخله وأدخل معه أبا بكر وحده، فلما استقر في العريش قال له أبو بكر: بعض مناشدتك يا رسول الله (1) فإن الله منجز لك ما وعدك. فخفق النبي صلى الله عليه خفقة في العريش فانتبه وهو يقول: أبشر يا أبا بكر. أتاك نصر الله.
هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع (2)!
فكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من بين يديه خلق الله في العريش، والناس موقوفون على مراتبهم، فكانت هذه مرتبة أبى بكر.
ورتب لسعد بن معاذ بعد أن كان قائما على رأسه على باب العريش متوشحا السيف في نفر من الأنصار يحرسون العريش ومن فيه مخافة كر العدو والجولة.
فإذا كان النبي صلى الله عليه في ذلك اليوم في العريش، وغير ماش

(1) في السيرة 444: " بعض مناشدتك ربك ".
(2) النقع: الغبار. وفى الروض الأنف 2: 69: " وفى حديث آخر أنه قال: رأيته على فرس له شقراء وعليه عمامة حمراء، وقد عصم بثنيته الغبار ".
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»