العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٤٨
والصبور، وربما كان السبب الدين، ولكن لا يبلغ الرجل بقوة الدين في قلبه ما لم يشيعه بعض ما ذكرناه أن يمشى إلى السيف، لان الدين مكتسب مجتلب، وليس بأصلي ولا طبيعي، ولان ثوابه مؤجل، والخصال التي ذكرناها طبيعية أصلية. وثوابها معجل.
وقد يكون مع الانسان أسباب محذرة مجبنة، فيكون ركونه (1) وجلوسه طباعا لا يمتنع منه. وربما كانت الأسباب من المشجعات والمجبنات سواء، فيكون جلوسه عن الحرب وقتاله فيها اختيارا، وربما فضلت قوى مشجعاته حتى يكون إقدامه أشرا ومرحا. واهتزازا وطباعا، ولا يكون ذلك طاعة وإن كان في الحكم طاعة. وكذلك الجبن إذا أفرط على صاحبه حتى يكون فراره * *). طباعا لا يكون معصية وإن كان في الحكم معصية.
ولم نرد بهذا الكلام تنقص على رحمه الله ولا إخراجه من الغناء واحتمال المكروه. كما لم نرد تنقص الزبير وأبى دجانة وابن عفراء ومحمد ابن مسلمة، ولكن هكذا صفة المستطيع المكلف، والمطيع والعاصي.
وإذا كان مع صاحب الاقدام من الأمور المشجعة أمور فاضلة على أسباب جبنه وجلوسه، كان عند الله غير مأجور وإن كان في الحكم الظاهر مأجورا.

(1) في الأصل: " ركوبه " تحريف.
* *) أوجز الإسكافي هذه العبارة وما ورد في صفحة 47 س 7 من قوله " لان النفس المستطيعة " على هذه الصورة. كما ورد عند ابن أبي الحديد 3: 278 - 279: " قال الجاحظ: فصاحب النفس المختارة المعتدلة يكون قتاله طاعة وفراره معصية.
لان نفسه معتدلة كالميزان في استقامة لسانه وكفتيه، فإذا لم يكن كذلك كان إقدامه طباعا وفراره طباعا " ثم رد عليها بالرد رقم (21).
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»