العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٥١
قال الله عز وجل: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ".
فسماه الله صاحبا في كتابه ثم سماه النبي صلى الله عليه صديقه من بين خلق الله، حتى غلب على اسمه واسم أبيه ولقبه ونسبه، حتى كان الناس أيام رسول الله وبعد وفاته يقولون: قال على وفعل على، وقال عثمان وفعل عثمان، وقال عمر وفعل عمر، وقال طلحة وفعل طلحة، وقال الزبير وفعل، وجميع العشرة الذين هم في الجنة، حتى إذا صاروا إليه قالوا: قال الصديق وقال أبو بكر الصديق، وفعل أبو بكر الصديق.
ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وهو القول الذي كان يعيده في كل دار ومنزل: " ما أحد أمن علينا بصحبته وماله من أبى بكر " وفى قوله: " ما أحد أمن علينا بصحبته وماله من أبى بكر " معان كثيرة، فهمه الناس أم ذهبوا عنه. فهذا هذا.
ثم كان النبي عليه السلام بمكة ثلاث عشرة سنة، في كل يوم ذر شارقه يأتي منزل أبى بكر إما صباحا وإما مساء، حتى كان اليوم الذي أذن الله سبحانه له في الهجرة. وإنه أتاه مهجرا (1) فقال له أبو بكر:
بأبي أنت وأمي، كيف جئت اليوم في هذا الوقت؟! ونزل عن سريره وجلس النبي صلى الله عليه وسلم وجلس أبو بكر بين يديه، قال النبي:
هل عندك أحد؟ قال: لا، يا رسول الله، إلا أسماء وعائشة. قال:
" فإن ربى قد أذن لي في الهجرة ". فصان صحبته من خلق الله غيره.
ثم لم يعلم بخروجه غير ابنتيه أسماء وعائشة، وغير ابنه عبد الله ابن أبي بكر قتيل يوم الطائف، وكان هو الذي يتجسس لهما الاخبار ويأتي بها إليهما في الغار، لأنهما استخفيا في الغار ثلاثا ولم يطلعا على

(1) التهجير: السير في الهاجرة. وهى نصف النهار عند زوال الشمس.
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»