سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٥٢٧
خلقه. وقالوا قبل ذلك: يا غلام إن لك لربا، وإن لك لمعادا، وإن بين يديك جنة ونارا إليها تصير، وإن هؤلاء الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة ليسوا على دين.
فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام، انصرفت معه، ثم غدونا إليهم، فقالوا مثل ذلك وأحسن، ولزمتهم. فقالوا لي: يا سلمان! إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع، فصل ونم وكل واشرب. فاطلع الملك على صنيع ابنه، فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم فقال: يا هؤلاء! قد جاورتموني، فأحسنت جواركم، ولم تروا مني سوءا، فعمدتم إلى ابني، فأفسد تموه علي، قد أجلتكم ثلاثا، فإن قدرت بعدها عليكم، أحرقت عليكم برطيلكم. قالوا: نعم، وكف ابنه عن إتيانهم. فقلت له: اتق الله! فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله، وأن أباك على غير دين، فلا تبع آخرتك بدنيا غيرك. قال: هو كما تقول، وإنما أتخلف عن القوم بقيا (1) عليهم. قال:
فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا، فقالوا: يا سلمان، قد كنا نحذر ما رأيت، فاتق الله، واعلم أن الدين ما أوصيناك به. فلا يخدعنك أحد عن دينك. قلت ما أنا بمفارقكم. قالوا: فخذ شيئا تأكله فإنك لا تستطيع ما نستطيع نحن. ففعلت. ولقيت أخي، فعرضت عليه بأني أمشي معهم، فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل، فأتينا بيعة، فلما دخلوا أحفوا بهم وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: " كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى، بها عبدة النيران، فطردنا، فقدمنا عليكم.
فلما كان بعد، قالوا: يا سلمان! إن ها هنا قوما في هذه الجبال هم أهل

(1) ترك مكانها فارغا في المطبوع، وقال في الهامش: كلمة غير ظاهرة.
(٥٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 522 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 ... » »»