سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٥١٧
قال: من سلم على محمد رآه أو لم يره، كان له محمد شافعا ومصافحا.
فدخل حلاوة الإنجيل في صدري.
قال: فأقام في مقامه حولا، ثم قال: أي بني! إنك قد أحببتني وأحببتك، وإنما قدمت بلادكم هذه: إنه كان لي قريب، فمات، فأحببت أن أكون قريبا من قبره أصلي عليه وأسلم عليه، لما عظم الله علينا في الإنجيل من حق القرابة، يقول الله: من وصل قرابته، وصلني، ومن قطع قرابته، فقد قطعني، وإنه قد بدا لي الشخوص من هذا المكان، فإن كنت تريد صحبتي فأنا طوع يديك.
قلت: عظمت حق القرابة وهنا أمي وقرابتي. قال: إن كنت تريد أن تهاجر مهاجر إبراهيم عليه السلام فدع الوالدة والقرابة، ثم قال: إن الله يصلح بينك وبينهم حتى لا تدعو عليك الوالدة.
فخرجت معه، فأتينا نصيبين، فاستقبله اثنا عشر من الرهبان يبتدرونه ويبسطون له أرديتهم، وقالوا: مرحبا بسيدنا وواعي كتاب ربنا. فحمد الله، ودمعت عيناه وقال: إن كنتم تعظموني لتعظيم جلال الله، فأبشروا بالنظر إلى الله. ثم قال: إني أريد أن أتعبد في محرابكم هذا شهرا، فاستوصوا بهذا الغلام فإني رأيته رقيقا، سريع الإجابة. فمكث شهرا لا يلتفت إلي ويجتمع الرهبان خلفه يرجون أن ينصرف ولا ينصرف، فقالوا: لو تعرضت له، فقلت:
أنتم أعظم عليه حقا مني، قالوا: أنت ضعيف، غريب، ابن سبيل، وهو نازل علينا، فلا نقطع عليه صلاته مخافة أن يرى أنا نستثقله. فعرضت له فارتعد، ثم جثا على ركبتيه، ثم قال: مالك يا بني؟ جائع أنت؟ عطشان أنت؟
مقرور أنت؟ اشتقت إلى أهلك؟ قلت: بل أطعت هؤلاء العلماء. قال: أتدري ما يقول الإنجيل؟ قلت: لا، قال: يقول من أطاع العلماء فاسدا كان أو مصلحا، فمات فهو صديق، وقد بدا لي أن أتوجه إلى بيت المقدس. فجاء العلماء،
(٥١٧)
مفاتيح البحث: النبي إبراهيم (ع) (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 512 513 514 515 516 517 518 519 520 521 522 ... » »»