سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٥١٤
فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل، فقلت: ما صنعت؟ قال: وإنك لها هنا بعد؟ قلت: نعم. قال: فإني لا أعلم أحدا في الأرض (1) أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء، وهو نبي وهذا زمانه، وإن انطلقت الآن وافقته، وفيه ثلاث: خاتم النبوة، ولا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية. خاتم النبوة عند غرضوف كتفه، كأنها بيضة حمامة، لونها لون جلده.
فانطلقت، فأصابني قوم من الاعراب، فاستعبدوني فباعوني، حتى وقعت إلى المدينة، فسمعتهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت أهلي أن يهبوا لي يوما ففعلوا. فخرجت، فاحتطبت، فبعته بشئ يسير، ثم جئت بطعام اشتريته، فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما هذا؟ فقلت: صدقة. فأبى أن يأكل، وأمر أصحابه فأكلوا، وكان العيش يومئذ عزيزا، فقلت: هذه واحدة.
ثم أمكث ما شاء الله أن أمكث. ثم قلت لأهلي: هبوا لي يوما. فوهبوا لي يوما، فخرجت، فاحتطبت فبعته بأفضل مما كنت بعث به، يعني الأول، فاشتريت به طعاما، ثم جئت، فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما هذا؟ قلت: هدية. قال: كلوا. وأكل. قلت: هذه أخرى. ثم قمت خلفه، فوضع رداءه، فرأيت عند غرضوف كتفه خاتم النبوة. فقلت: أشهد أنك رسول الله. فقال: ما هذا؟ فحدثته. وقلت: يا رسول الله! هذا الراهب أفي الجنة هو، وهو يزعم أنك نبي الله؟ قال: إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ".
فقلت: إنه أخبرني أنك نبي. فقال: " إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة " (2).

(1) سقط من المطبوع عبارة " في الأرض ".
(2) أخرجه بطوله ابن سعد 4 / 1 / 58، وأخرج أحمد 5 / 438 والطبراني في " الكبير " (6155) الجزء الأخير منه. وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 336، والحلية 1 / 195، وأبو قرة لا يعرف. وباقي رجاله ثقات. وقوله: الغرضوف: هو لغة في الغضروف. وغضروف الكتف رأس لوحه.
(٥١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 ... » »»