الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٤٨٧
لان الذي فعل حق للمدفوع إليه لا للدافع، فليس كاسبا على غيره بل فعل فعلا واجبا على كل أحد أن يفعله، أمر بذلك أو لم يؤمر، لأنه قيام بالقسط.
قال الله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط) * وقال تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * ومن البر إيصال كل أحد حقه.
وأما القاضي والأمين يعزله الأمير فليس للامام أن يضيع أمور المسلمين فيبقيهم دون من ينفذ أحكامهم، لكن يكتب أو يوصي إلى القاضي أو الوالي إذا أتاك عهدي فاعتزل عملنا. فإن لم يفعل كذلك فكل حكم أنفذه المعزول قبل أن يعلم العزل بحق فهو نافذ، لأنه لم يكلف علم الغيب، وقد ظلم الامام إذ عزله دون تقديم غيره، والظلم مردود، ومن باع مال غيره أو تأمر فحكم فوافق أن صاحب ذلك المال المبيع قد كان وكله قبل أن يبيع ما باع، ولم يعلم الوكيل بذلك، أو وافق أن الامام قد كان ولاه ما تأمر عليه، ولم يعلم هو بذلك، فكل ما فعل فمردود منسوخ، لأنهما غير مطيعين بما فعلا، بل هما عاصيان لان الطاعة عمل من الأعمال والأعمال بالنيات، ولا نية لهذين فيما فعلا لأنهما لم يفعلا كما أمرا بل كما لم يؤمرا. كما قلنا قبل فيمن صلى إلى جهة ولا يشك أنها غير القبلة.
فوافق أنها القبلة فصلاته فاسدة، لأنه لم ينو الطاعة المأمور بها، وكذلك من باع فوافق أنه ماله ولا يعلم، أو قد ورثه أو استحقه فبيعه ذلك مردود أبدا، وكذلك هبته وصدقته لو وهبه أو تصدق به. وكذلك لو كان عبدا فأعتقه.
ويرد كل ذلك لأنه عمل لم يعمل بالنية التي أبيح له أن يعمله بها ولا عمل إلا بنية.
وأما من لقي امرأة فظنها أجنبية فوطئها فإذا هي زوجته. فإنها تستحق بذلك جميع المهر وتحل لمطلقها ثلاثا، لان الوطئ لا يحتاج فيه إلى نية، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم بوطئ في الكفر، ولو تزوجها وهو عاقل ثم جن فوطأها في حال جنونه لاستحقت في ماله جميع الصداق بلا خوف، ويلحق به الولد بلا خوف فصح أن الوطئ لا يحتاج فيه إلى نية بإجماع.
وأما من صام رمضان وهو لا يدري فوافق رمضان فلا يجزيه. وكذلك الصلاة يصليها وهو لا يدري أدخل وقتها أم لا. لان هذه الأعمال تقضي نية مرتبطة بها لا يصلح العمل إلا بها. فإن امتزجت بغير تلك النية أو عدمت ارتباط
(٤٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580