الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٤٨٦
بعبثه فيها، لا بصلاته إلى غير القبلة، ولأن الائتمار إنما يكون بعد العلم بالامر اللازم له لا قبل، ولا تكون طاعة أصلا إلا بنية وقصد إلى عمل بعد ما أمر به علمه بأنه لازم له، وإلا فهو عبث، لا يسمى ذلك في اللغة طائعا أصلا، ولكتب عليه اسم المستسهل للصلاة إلى غير القبلة، ومثاله الآن: بينما رجل في صحراء أداه اجتهاده إلى جهة ما فخالفها متعمدا، فوافق في الوجهة التي صلى إليها إن كانت القبلة على حق، فهذا عابث في صلاته فاسق، وليس مصليا إلى غير القبلة.
قال أبو محمد: كذلك كانت صلاة أهل قباء، ومن كان بأرض الحبشة إلى بيت المقدس صلاة تامة، وإن كان النسخ قد وقع بالقبلة إلى الكعبة على من بلغه لأنهم لم يعلموا ذلك، ولكن أجرهم على صلاتهم كذلك أجران، وأما من بلغه ذلك ثم نسيه، أو تأول فيه فأجرهم على صلاته كذلك أجرا واحدا لأنهم مجتهدون أخطؤوا ما عند الله عز وجل، وهم مأمورون باستقبال الكعبة، ولكنهم غير ملومين ولا آثمين في ترك ذلك، لأنهم معذورون بالجهل، وهذا بين وبالله تعالى التوفيق، وليس كذلك أهل قباء، ومن كان بأرض الحبشة، لأن فرضهم البقاء على ما بلغهم، حتى ينتقل بلوغ النسخ إليهم.
قال أبو محمد: وقد تبين بهذا ما قلناه في غير موضع من كتابنا، أن المخطئ أفضل عند الله من المقلد المصيب، وكذلك قلنا في جميع العبادات، فإن سأل سائل عن قولنا في الوكيل يعزله موكله أو يموت، فينفذ الوكيل ما كان وكل عليه بعد عزله، وهو يعلم أنه معزول، أو بعد موت الذي وكله وهو لا يعلم بموته قلنا له، وبالله تعالى التوفيق: قال الله عز وجل: * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) *.
وقال صلى الله عليه وسلم: د ماؤكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام فكل أمر أنفذه الوكيل بعد عزله وهو غير عالم فنافذ، لان عازله ولا يعلمه مضار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من ضار أضر الله به فهو منهي عن المضارة. وأما ما أنفذ بعد موت موكله - وهو عالم أو غير عالم - فهو مردود منسوخ، لأنه كاسب على غيره بغير نص ولا إجماع، ولا يجوز القياس أصلا ولكل حكم حكمه، وليست هذه الأمور بابا واحدا فيستوي الحكم فيها، إلا أن يكون وكله على دفع وديعة أو دين أو حق لآخر فهذا نافذ، عزله أو علم الوكيل أنه عزله أو أنه مات، أو لم يعلم
(٤٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580