الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٥٠٤
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجبه، وكل هذه الوجوه كفر مجرد وإحداث دين بدل به دين الاسلام، ولا فرق بين هذه الوجوه، وبين من جوز الاجماع على إسقاط الصلوات الخمس أو بعضها أو ركعة منها، أو على إيجاب صلوا ت غيرها أو ركوع زائدة فيها، أو على إبطال صوم رمضان أو على إيجاب صوم شهر رجب، أو على إبطال الحج إلى مكة، أو على إيجابه إلى الطائف، أو على إباحة الخنزير، أو على تحريم الكبش، كل هذا كفر صراح لا خفاء به. فإن قالوا: كل هذه نصوص، وإنما جوزنا الاجماع على ما لا نص فيه، قلنا: وكل ما ذكرنا لا نص فيه، وإنما هي شرائع زائدة في دين الله تعالى أو ناقصة منه هذه صفة ما لا نص فيه لا سبيل إلى أن يكون حكم لا نص فيه يخرج من أحد هذين الوجهين. فإن قالوا: هذا لا يجوز، رجعوا إلى قولنا من قرب، ومن أجاز شيئا من هذا كفر، وبالله تعالى التوفيق. وهذا أيضا برهان قاطع في إبطال القول بالقياس بالرأي والاستحسان لا مخلص منه.
واعلموا أن قولهم: هذه المسألة لا نص فيها، قول باطل، وتدليس في الدين، وتطريق إلى هذه العظائم، لان كل ما يحرمه الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إلى أن مات صلى الله عليه وسلم فقد حلله بقوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * وقوله: * (قد فصل لكم ما حرم عليكم) * وكل ما لم يأمر به عليه السلام فلم يوجبه، وهذه ضرورة لا يمكن أن يقوم في عقل أحد غيرها، وأما كل ما نص يأمر به صلى الله عليه وسلم بالامر به أو النهي عنه فقد حرمه أو أوجبه فلا يحل لاحد مخالفته، فصح أنه لا شئ إلا وفيه نص جلي فصح أنه لا إجماع إلا على نص، ولا اختلاف إلا في نص كما ذكرنا، ولا قياس يوجب في نص إلا وهو زائد في الدين أو ناقص منه ولا بد.
ثم نقول لهم أيضا: أخبرونا عن الاجماع جملة، هل يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها بضرورة العقل؟ أما أن يجمع الناس على ما لا نص فيه كما ادعيتم فقد أريناكم بطلان ذلك، وأنه محال ذلك وأنه محال وجوده لصحة وجود النصوص في كل شئ من الدين أو يكون إجماع الناس على خلاف النص الوارد من غير نسخ أو تخصيص له وردا قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا كفر مجرد كما قدمنا.
(٥٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580