الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٣٦
وهو أول الناس ينهى عن تقليده، والعجب من دعواهم أنهم أخذوا بالآخر من فعله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا بالأول المنسوخ لذلك فما حضرنا ذكره - مما تركوا فيه آخر فعله صلى الله عليه وسلم وأخذوا بالأول المنسوخ. فإنهم لم يجيزوا أن يأتي الامام المعهود، وقد بدأ خليفته على الصلاة بالصلاة، فدخل الامام المعهود فيتم الصلاة ويبني سائر من خلفه على من كبروا في أول صلاتهم. ويصير الامام الذي ابتدأ الصلاة مأموما، وهذه آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس في مرضه الذي مات فيه، فأبطلوا هذه الصلاة وأجازوا أن يخرج الامام من الصلاة لعذر أصابه ويستخلف من يتم بالناس صلاتهم، وهذا ما لم يأت فيه نص ولا إجماع، ولم يروا الصلاة خلف الامام القاعد، والأصحاء وراءه قعود أو قيام، وهذه صفة آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلقوا بحديث رواه الجعفي - وهو كذاب - عن الشعبي مرسلا:
لا يؤمن أحد بعدي جالسا وهي رواية كوفية. وهم يردون الصحيح من رواية أهل الكوفة، ويتعلقون بهذه الرواية التي لا شك في كذبها من روايات أهل الكوفة. وكرهوا التكبير بتكبير الامام، وأبطلوا في نص روايتهم صلاة المذكور، وهذه صفة آخر صلاة صلاها أبو بكر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة جميع المهاجرين والأنصار، إلا الأقل منهم، وتركوا إباحة الشرب لكل ما لا يسكر من المباحات في جميع الظروف - وهو الناسخ، وأخذوا بالنهي عن الدباء والمزفت وهو منسوخ بالنص الجلي، وكان ذلك في أول الاسلام.
وتركوا ما في سورة براءة - وهي آخر سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه لا تؤخذ جزية إلا من كتابي، وتركوا أيضا ما فيها من قوله تعالى ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله وتعلقوا بحديث تخيير من أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة، لأنه لا يجوز أن يوجد أحد نكح أكثر من أربع نكاحا جائزا، لان نكاح من نكح خامسة اليوم باطل حين عقده إياه، مفسوخ لا يجوز - وإن جوزه الكفار - لان الله تعالى قد حرمه، وتحريم الله تعالى لاحق بهم لازم لهم.
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258