الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٣٤
به وألوم من هذا من اتبع قولا وضح البرهان على بطلانه فتمادى ولج في غيه، وبالله تعالى التوفيق.
وألوم من هذين وأعظم جرما من يقيم على قول يقر أنه حرام، وهم المقلدون الذين يقلدون ويقرون أن التقليد حرام، ويتركون أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ويقرون أنها صحاح وأنها حق، فمن أضل من هؤلاء؟ نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله الهدى والعصمة، فكل شئ بيده لا إله إلا هو.
قال أبو محمد: وقد قال بعضهم: قد صح ترك جماعات من الصحابة والتابعين لكثير مما بلغهم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يخلو من أن يكونوا تركوه مستخفين به، وهذا كفر من فاعله. أو يكونوا تركوه لفضل علم كان عندهم فهذا أولى أن يظن بهم.
قال علي: وهذا يبطل من وجوه، أحدها أنه قال قائل: لعل الحديث الذي تركه متركه منهم فيه داخلة. قيل له: ولعل الرواية التي رويت بأن فلانا الصاحب ترك حديثا كذا هي المدخولة، وما الذي جعل أن تكون الداخلة في رواة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من أن تكون في النقلة الذين رووا ترك من تركها، وأيضا فإن قوما منهم تركوا بعض الحديث، وقوما منهم أخذوا بذلك الحديث الذي ترك هؤلاء فلان فرق بين من قال: لا بد من أنه كان عند من تركه علم من أجله ركه، وبين من قال: لا بد من أنه كان عند من عمل به علم من أجله عمل به، وكل دعوى عريت من برهان فهي ساقطة. وقد قدمنا أنه لا يستوحش لمن ترك العمل بالحق، سواء تركه مخطئا معذورا أو تركه عاصيا موزورا، ولا يتكثر بمن عمل به كائنا من كان، وسواء عمل به أو تركه وفرض على كل من سمعه أن يعمل به على كل حال.
وأيضا فإن الأحاديث التي روي أنه تركها بعض من سلف، ليست في أكثر الامر التي ترك هؤلاء المحتجون بترك من سلف لما تركوا منها، بل ترك هؤلاء ما أخذ به أولئك، وأخذ هؤلاء، بما تركه أولئك، فلا حجة لهم في ترك بعض ما سلف لما ترك من الحديث. لأنهم أول مخالف لهم في ذلك، وأول مبطل لذلك
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258