منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٦ - الصفحة ٤٣٨

خلاف حكمه مما هو في مرتبته ولا يتعدى إلى الواقع كي يكون ناظرا إلى الامارة أيضا. ونفي هذا الوجه صاحب الكفاية بان لم يثبت بان دليل الاعتبار في الامارة والأصل يتكفل إلغاء احتمال الخلاف كي يقرر ما ذكر. هذا محصل توضيح عبارة الكفاية. ولا بد من التعرض لشئ استطرادي أيضا وهو انه قد يشكل على القول بحكومة الامارة على الاستصحاب.
بتقريب: ان دليل الامارة بتكفل جعلها علما تنزيليا والمأخوذ في موضوع الأصل الجهل بالواقع، فيكون ورود الامارة رافعا لموضوع الأصل تعبدا بان الامارة أيضا قد اخذ في موضوعها الشك وذلك لأنه لا اشكال في عدم اعتبارها مع اليقين بالواقع بأي نحو من انحاء الاعتبار، فيدور الامر ثبوتا بين ان يؤخذ في موضوعها الجهل بالواقع أو يكون مطلقا بالنسبة إلى حكم العلم والجهل أو يكون مهملا لا مجال للثالث لامتناع الاهمال في مرحلة الثبوت. وكذا الثاني لما عرفت من عدم اعتبارها في صورة اليقين والعلم، فيتعين الثالث، وإذا كان موضوعها مقيدا بالجهل فالاستصحاب يتكفل تنزيل الشك منزلة اليقين، فهو يثبت اليقين تنزيلا فيكون رافعا لموضوع الامارة لحصول اليقين بالواقع تعبدا، وبالجملة: يلزم من تقريب حكومة الامارة على الاستصحاب ذكر التحاكم من الطرفين.
ولا وجه للتقصي عن هذا الاشكال بعدم أخذ الجهل في الامارة موضوعا بل موردا لما عرفت من إقامة الرهان على اخذه في موضوعها.
وبالجملة: لا يتضح الفرق بين الموضوع والمورد الا لفظا.
ويمكن الإجابة عنه: ان الفرق بين الموضوع والمورد هو: ان القيود التي تحدد الحكم بنحو خاص بحيث لا يتعداه إلى غيره ولا يتحقق في ظرف آخر على نحوين:
الأول: مما يرجع إلى المرتبة السابقة على الحكم، وهي التي يعبر عنها بقيود الموضوع، كأخذ العادل في موضوع وجوب الاكرام في قول الامر: " أكرم العالم العادل ".
الثاني: ما يكون متحدا في المرتبة مع الحكم، بان يؤخذ في نفس الحكم دون الموضوع، وهو المعبر عنه بقيود الحكم. وذلك نظير التعبد بأحد جزئي الموضوع، فإنه مقيد بالتعبد بالجزء الاخر - في صورة عدم احرازه بالوجدان - بحيث يكون التعبد بالجزء الاخر في عرضه التعبد به، فهو مأخوذ في نفس الحكم وهو التعبد، بحيث لو لاء لما صح التعبد به، وليس مأخوذا في مرحلة سابقة عليه للزوم المدعى - كما لا يخفى -. فالقسمان يشتركان في كونهما محددان للحكم بحد خاص، بحيث لا يثبت مع عدم ثبوتهما، إلا انهما يختلفان في أن أحدهما يؤخذ في المرحلة السابقة على الحكم، والثاني: يؤخذ في مرحلة الحكم نفسه، ويكون قيد النفس الحكم. فيمكن أن يكون المراد بقيد الموضوع هو القيد المأخوذ في مرحلة سابقة عن الحكم، وبقيد المورد هو المأخوذ في نفس الحكم. وحيث إن الشك أخذ في الاستصحاب في المرحلة السابقة مع التعبد وفي الامارات ليس كذلك، بل الحكم مقيد بهذا القيد يعني بصورة الجهل دون العلم بالدليل العقلي، كان الشك مأخوذا في موضوع الاستصحاب دون الامارة، بل فيها اخذ في نفس الحكم، وهو المراد من كونه مأخوذا في موردها. وعلى هذا فلا يكون الاستصحاب حاكما على الامارة لأنه لا يتصرف في موضوعها.
وتوهم: ان الدليل الحاكم أعم مما كان متصرفا في قيود الموضوع أو قيود الحكم، فإنه لو قال أكرم زيدا وقيد الوجوب ليوم الجمعة، ثم قام دليل على هذا اليوم المتوهم كونه يوم جمعة، ليس بيوم الجمعة كان هذا حاكما على الدليل الاخر ورافعا لحكمه، فإذا كان الشك في الامارة مأخوذا قيدا للحكم كان الاستصحاب رافعا له وهو واضح.
مندفع: بان الشك لم يؤخذ شرطا وقيدا للحكم كي يلزم ما ذكر، بل أخذه في الحكم بنحو يكون الحكم هو الحصة الملازمة للشك، والتي تكون مع الشك بحيث لا يثبت الحكم في غير هذا الظرف، فلا يكون الدليل الرافع للشك متعرضا للحكم بحال، إذ لا علاقة للشك بالحكم لا قيدا ولا موضوعا، بل بنحو الملازمة. فغاية ما يكون ان الدليل الرافع للشك يكون معارضا ومنافيا للامارة بمدلولاها - وهو العلم التنزيلي - وهو لا يرفع حكومتها على الاستصحاب لما عرفت أن أحد الدليلين إذا كان رافعا لموضوع الاخر كان حاكما عليه ولو كان الاخر منافيا له في الدلالة.
ومن هنا تتضح الإجابة عما أقيم من البرهان على اخذ الشك في موضوع الامارة وذلك بالالتزام بالاهمال في جانب الموضوع، وأما المحذور المذكور على الاهمال في مقام الثبوت وهو لزوم تردد نفس الحاكم في حكمه لعدم علمه بشموله للمورد المشكوك وعدمه، فهو لا يتأتى، لان هذا انما يتم لو كان الاهمال في الموضوع موجبا للاهمال في نفس الحكم، أما العلم بالحكم وحده وانه مقيد بغير المورد - كما عرفت - فالاهمال في الموضوع غير ضائر أصلا، لان المجعول الذي لا معنى للتردد فيه لا تردد فيه، وغيره التردد فيه غير ضائر. فالتفت.
استدراك: يتبع مبحث اخذ الجهل في موضوع الأصول والامارة والجواب عن هذا الاشكال: ان الاهمال في الموضوع في مرحلة الثبوت إنما يمتنع إذا كان موجبا للتردد في نفس الحكم وانه يشمل المقيد وغيره أولا، إذ لا مجال لتردد الحاكم في نفس حكمه وعدم علمه بمقدار شموله وانه في هذا المورد ثابت أولا. إما إذا كان الاهمال ليس موجبا للتردد في الحكم بل كان مقدار الحكم معلوما فلا مانع من ذلك، لان المجعول الذي لا يمكن التردد فيه لا تردد فيه والتردد في غيره لا دليل على امتناعه. وما نحن فيه كذلك. وتوضيح ذلك: أن ما يوجب تحديد الحكم بحد خاص بحيث لا يتعداه إلى غيره.
تارة: يكون مأخوذا في مرحلة سابقة على الحكم سواء كان قيدا للحكم كالأمور غير الاختيارية أو الموضوع كالأمور الاختيارية وان كان التحقيق رجوع قيد الحكم إلى الموضوع.
وأخرى: يكون ملحوظا ومأخوذا مساوقا للحكم في المرتبة بمعنى ان فعلية الحكم تكون في ظرفه تحقق القيد، فتلحظ فعلية الحكم المقيد بنحو الملازمة، نظير ثبوت الصد، فإنه مقيد بعدم الضد الاخر كثبوت الوجوب، فإنه لا اشكال انه مقيد بثبوت عدم الحرمة، إذا لا يثبت الوجوب في ظرف الحرمة.
ففعلية الوجوب انما تكون مع عدم الحرمة. فيكون تقيد الوجوب بعدم الحرمة ليس بمعنى أخذ عدم الحرمة في مرحلة سابقة عليه بحيث يكون التصرف فيه تصرفا في الحكم ومحققا للحكومة. بل هو بمعنى ان ثبوت الوجوب انما يكون في هذا المورد دون غيره فهو ملحوظ في رتبة الحكم. وإلا لكان الدليل الموجب لاثبات الحل مثبتا للوجوب لأنه حقق موضوع الوجوب ولا اشكال في أنه لا يلتزم به أحد نعم قد يكون ذلك بنحو الملازمة والأصل المثبت وهو غير ما قرره.
وعليه، فالدليل المثبت لعدم الضد وما هو كرافع أو النافي له لا يتعرض لثبوت الضد الاخر أو نفيه بحال.
والامر في الامارات كذلك فان تقيدها بعدم العلم كتقيد الضد بعدم الضد الاخر، بل من بابه بعينه، وذلك لان الدليل على عدم ثبوت الامارة مع العلم بالخلاف انما هو ثبوت التضاد العلمي أو الواقعي. فاعتبار عدم العام في التعبد بالامارة من باب اعتبار عدم الضد في ثبوت الضد الاخر. وقد عرفت أنه لم يؤخذ قيدا للحكم بالمعنى الذي يكون التصرف فيه موجبا للتصرف في نفس الحكم، بل بالمعنى الاخر، وهو معنى الموردية في كلام. فاتضح بذلك والفرق بين المورد والموضوع المذكور في جواب الاعلام. وان ما ذكر عن الترديد العقلي غير ناهض على اخذ الشك في موضوع الامارات.
تقريب التضاد: أن التضاد فيها بملاك التضاد بين الاحكام لا في ذاتها، وذلك لان الاحكام غير متضادة بنفسها، بل متضادة في مرحلة داعويتها ومقام الامتثال. فان المكلف لا يمكن امتثال الحكمين معا. فكذلك التضاد بين جعل الامارة علما تنزيليا والعلم بالواقع. لان جعل العلم التنزيلي مرجعه إلى جعل وجوب العمل على طبقه بلحاظ الجري العملي. وجعل الواقع الذي تعلق به العلم يرجع إلى ذلك أيضا فجعل الواقع وجعل العلم على خلافه متضادان في مرحلة الامتثال، فاخذ عدم العلم في مورد الامارة من باب أخذ عدم الضد، لان الضد واقعا هو نفس العلم بهذا اللحاظ بلحاظ ايجابه للمحركية بكشفه عن الواقع. فالتفت.
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 431 432 433 434 435 436 437 438 438 439 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الاستصحاب تعريف الاستصحاب 8
2 مناقشة التعاريف 10
3 التعريف المختار 11
4 الاستصحاب مسألة أصولية أو لا؟ 13
5 الفرق بين الاستصحاب وقاعدتي اليقين، والمقتضي والمانع 14
6 تقسيمات الاستصحاب 15
7 نفي جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستفاد من العقل 16
8 تصحيح الوجه الثالث وتعميمه للشبهة الموضوعية المصداقية 20
9 تعميم النفي للأحكام الوجودية والعدمية 22
10 الايراد على الشيخ والأصفهاني 23
11 تقريب جريان استصحاب العدم في مورد النسيان 24
12 اعتبار فعلية الشك والمناقشة فيه 26
13 أدلة الاستصحاب 33
14 الاستدلال بالأخبار 37
15 صحيحة زرارة الأولى 37
16 محتملات مفاد الصحيحة 38
17 في الاحتمال الأرجح 45
18 التفصيل بين الشك في المقتضي والرافع 50
19 معنى النقض 50
20 المختار في معنى النقض 53
21 مناقشتنا للكفاية في معنى النقض 57
22 امتناع تعلق النقض باليقين 58
23 امتناع تعلق النقض باليقين اثباتا 61
24 المجعول هو المتيقن لا اليقين 64
25 الاستصحاب في الشبهة الموضوعية 65
26 المختار في دفع الاشكال في جريان الاستصحاب المذكور 71
27 الاستصحاب في الأحكام الكلية 74
28 عدم الأثر لاستصحاب عدم الجعل 76
29 مناقشة كلام العراقي 78
30 عدم قابلية الجعل وعدمه للتعبد بهما 81
31 امتناع التعبد بعدم التكليف 83
32 هل الجعل يتبع المجعول سعة وضيقا 84
33 الاستصحاب في الأحكام الترخيصية والوضعية 90
34 صحيحة زرارة الثانية 90
35 الاستدلال بالفقرة الأولى 91
36 جعل الفقرة من التعليل بالصغرى 103
37 منع إفادة الفقرة لقاعدة اليقين 106
38 الاستدلال بالفقرة الثانية 107
39 صحيحة زرارة الثالثة 107
40 رواية الخصال 117
41 مكاتبة القاساني 120
42 رواية عمار 124
43 الأحكام الوضعية 133
44 الكلام في سبب التكليف وشرطه ونحوهما 134
45 منع جعل السببية استقلالا 134
46 الايراد على وجهي الكفاية 135
47 السببية منتزعة عن خصوصية واقعية 138
48 الكلام في جزء المأمور به وشرطه ونحوهما 141
49 استشكال العراقي الشرطية 142
50 في جريان الأصل في الجزئية وعدمه 143
51 الكلام في الحجية والملكية ونحوهما 146
52 الاشكال ثبوتا في جعل الملكية استقلالا 148
53 البحث عن مجعولية الصحة والطهارة ونحوهما 149
54 تنبيهات الاستصحاب التنبيه الأول: في جريان الاستصحاب في مودي الأمارات 151
55 التبيه الثاني: في استصحاب الكلي 159
56 استصحاب الفرد المردد 160
57 القسم الأول من استصحاب الكلي 166
58 القسم الثاني من استصحاب الكلي 166
59 استصحاب الكلي في الأحكام 171
60 الشبهة العبائية 174
61 تحقيق الحق في الشبهة 176
62 القسم الثالث من استصحاب الكلي 179
63 القسم الرابع من استصحاب الكلي 180
64 التنبيه الثالث: في استصحاب الأمور التدريجية 182
65 استصحاب الزمان وجهات الاشكال فيه 182
66 استصحاب الحكم في الفعل المقيد بالزمان 191
67 التنبيه الرابع: في استصحاب الأمور التعليقية 194
68 معارضة الاستصحاب التنجيزي للتعليقي 204
69 المختار في دفع اشكال المعارضة 208
70 الاستصحاب التعليقي في الموضوعات 210
71 التنبيه الخامس: في استصحاب عدم النسخ 211
72 التنبيه السادس: في الأصل المثبت 211
73 الأصل المثبت مع خفاء الواسطة 216
74 المناقشة في استثناء صورة وضوح الملازمة 218
75 الشك في أول الشهر وجريان الأصل فيه 221
76 الحكم بتضمين اليد المشكوك ضمانيتها 224
77 الامارات المثبتة 226
78 التنبيه السابع: جهات تتعلق بالأصل المثبت 229
79 الأثر المترتب على الأمر الانتزاعي 230
80 المنع في استصحاب عدم التكليف 232
81 التنبيه الثامن: حكم ما إذا كان اللازم لازما للأعم من الوجود الواقعي والظاهري 234
82 التبيه التاسع: اعتبار كون المستصحب مجعولا في مرحلة البقاء فقط لا الحدوث 235
83 التبيه العاشر: أصالة تأخر الحادث - مجهولي التاريخ 236
84 في اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين 243
85 المحاذير المختارة لعدم جريان الاستصحاب 257
86 جهالة تاريخ أحد الحادثين 265
87 تعاقب الحادثين المتضادين 272
88 جهالة تاريخ أحد الحادثين المتضادين 276
89 كلام للمحقق النائيني في المقام 277
90 التنبيه الحادي عشر: استصحاب الأمور الاعتقادية 290
91 استصحاب النبوة والإمامة 300
92 الايراد على تشبث الكتابي باستصحاب نبوة نبيه 301
93 التنبيه الثاني عشر: في استصحاب حكم المخصص 303
94 حول صورة لحاظ الزمان ظرفا 304
95 تلخيص كلام المحقق الأصفهاني 306
96 مناقشة مع المحقق الأصفهاني 309
97 التبيه الثالث عشر: في بيان المراد من الشك في الأخبار 316
98 استصحاب الصحة 318
99 استصحاب الهيئة الاتصالية 332
100 القاطع والمانع هل يختلفان أثرا؟ 335
101 هل الناقض قسم آخر غير المانع والقاطع 338
102 استصحاب الوجوب مع تعذر بعض أجزاء المركب 340
103 التفصيل بين تعذر الجزء قبل تنجيز التكليف وبعده 341
104 خاتمة: في شروط الاستصحاب اعتبار بقاء الموضوع وتفسير مفرداته 345
105 المختار في تفسير كلام الشيخ قدس سره 355
106 المختار في حكم الفرض المذكور 356
107 عدم جريان الاستصحاب في الموضوع 359
108 التفصيل في جريان الاستصحاب في الحكم 362
109 ما اختير من الطرق في تعيين الموضوع 370
110 هل يفرق في الاستحالة بين نجس العين وبين المتنجس 376
111 هل تستفاد قاعدة اليقين من أخبار الاستصحاب 380
112 الوجوه المختارة في امتناع استفادة القاعدة 390
113 الثالث من شروط الاستصحاب: أن يكون البقاء مشكوكا 394
114 الحكومة ضابطها وتعريفها 396
115 المراد من النظر ومن التفرع 402
116 وجه تقديم الحاكم على المحكوم وكذا أخواته 405
117 الوجه المختار في التقديم 412
118 تقديم الامارة على الاستصحاب بملاك الورود 417
119 دعوى التقديم بملاك الحكومة 422
120 تذييل: الالتزام بالورود انما يلتزم به في صورة قيام الامارة على الخلاف 435
121 ثمرة التذييل 437