منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٦ - الصفحة ٣٨٠
في حاشيته على الرسائل (1).
الثاني من شروط الاستصحاب: كون الشك متعلقا بالبقاء وبقاء اليقين بالحدوث. لان تعلق الشك بالحدوث انما هو ملاك قاعدة اليقين. ولا اشكال في اخذ هذا الشرط ولا خلاف فيه. وانما تعرض لذكره الاعلام لبيان انه هل يمكن استفادة القاعدة من اخبار الاستصحاب مضافا إلى الاستصحاب أو لا؟. وقد (2)، أفيد في منع استفادة - كلتا القاعدتين من اخبار الباب وجوه:

(١) الفقيه الهمداني. هامش فرائد الأصول / ٤٠٣ - الطبعة الأولى.
(٢) مما أفيد في منع شمول الاخبار لكلتا القاعدتين ما ذكره الشيخ (ره): من أن المناط في القاعدتين مختلف بحيث لا يجمعها مناط واحد، فان مناط الاستصحاب اتحاد متعلق الشك واليقين مع قطع النظر عن الزمان لتعلق الشك في بقاء ما تيقنه سابقا، ولازم ذلك كون القضية المتيقنة - كعدالة زيد يوم الجمعة - متيقنة حال الشك أيضا من غير جهة الزمان. ومناط قاعدة اليقين اتحاد المتعلقين من جهة الزمان، ومعناه أنه شاك في نفس ما تيقنه سابقا بوصف وجوده السابق.
وعلى هذا فالقاء الشك في الاستصحاب يرجع إلى التعبد ببقاء المتيقن في السابق من غير تعرض لحال حدوثه. وإلغاؤه في القاعدة يرجع إلى التعبد بحدوث ما تيقنه سابقا من غير تعرض لبقائه واختلاف مؤدي القاعدتين وإن لم يمنع من إرادتهما من كلام واحد بان يقول: " وإذا حصل شك بعد يقين فلا عبرة به سواء تعلق بحدوثه أم ببقائه والحكم بالبقاء في الثاني وبالحدوث في الأول " لكنه مانع من أرادتها من مثل قوله: " فليمض على يقينه " فان المضي على اليقين في الاستصحاب يغاير المضي عليه في القاعدة فإنه فيه يرجع إلى الحكم بعدالته بقاءا، وفيها يرجع إلى الحكم بعدالته حدوثا من دون تعرض لما بعده، وإرادة كلا المعنيين من اللفظ الواحد ممتنع.
ثم إنه (ره) أورد على نفسه بان المضي على اليقين معناه عدم التوقف لاجل الشك وفرض الشك كعدمه، وهذا يختلف تطبيقا باختلاف متعلق الشك، فان تعلق الشك بالحدوث، فالغاؤه يرجع إلى الحكم بالحدوث، وإن تعلق بالبقاء فالغاؤه يرجع إلى الحكم بالبقاء، فلا تعدد في معنى المضي وإنما التعدد في المصداق.
وأجاب عنه بجواب لا تخلو عبارته من إجمال والذي نستظهره منها هو: إن ظاهر النصوص اتحاد متعلق اليقين والشك، وإن الشك لا بد وأن يكون متعلقا بما تعلق به اليقين.
وعليه ففي مقام الحكم إما أن يلاحظ الحاكم الشك المتعلق بما تعلق به اليقين مجردا عن الزمان فالمضي عليه عبارة عن الحكم باستمراره المتيقن، وأما أن يلاحظه مقيدا بزمان اليقين فالمضي عليه عبارة عن الحكم بحدوث المتيقن، ولا يمكنه أن يلحظه مقيدا ومجردا، فليس مرداه من عدم تعدد فرد اليقين والشك عدم تعدده في الخارج، فإنه مما يكذبه الوجدان خصوصا إن لو حظ ذلك بالنسبة إلى شخصين فكان الشك في الحدوث حاصلا عند غير من حصل عنده الشك في البقاء، بل مراده عدم التعدد في مقام الحكم والتعبد وإن الحاكم إما أن يلحظ الشك مجردا أو مقيدا، فقوله (قده): و " الشك له له هنا فردان " يقصد به ليس له في مقام الحكم، لا في الواقع كما حملت عليه عبارته ووجهت ببعض التوجيهات المردودة، فراجع تقريرات الكاظمي.
وما أفاده الشيخ (ره) بهذا التقريب قابل للمناقشة، وذلك لما تقدم من أن وحدة متعلق اليقين والشك تتحقق بتقيد متعلق الشك بكل ما هو مقوم لمتعلق اليقين وهو ما كان له إضافة إليه وارتباط به فيصدق عند ذلك حقيقة الشك في نفس ما تعلق به اليقين.
ومن الواضح أن الزمان ليس من مقومات متعلق اليقين إذ لا إضافة له بالنسبة إليه بل هو ظرف لتحققه، فاليقين يتعلق بذات العدالة، فوحدة متعلق الشك مع متعلق اليقين لا. تقتضي أكثر من تعلق الشك بذات العدالة مع قطع النظر عن الزمان السابق أو اللاحق، فلا مقتضى للحاظه مجردا أو مقيدا بالزمان حتى يتأتى المحذور السابق، فإذا تعلق الشك بالعدالة حدوثا أو بقاءا، يصدق حقيقة قول القائل: " إذا تيقنت بشئ وشككت فيه ".
وعليه فاطلاق الدليل يمكن أن يكون شاملا لكلا الموردين.
وتحقيق الحال في أصل المسالة أن يقال: إن الملحوظ في قاعدة اليقين - بحسب اصطلاح الاعلام - وإن كان هو الحدوث لكن من المعلوم أن ذلك بلحاظ ترتيب الأثر بقاء وفي حال الشك ولذا لو لم يكن للامر المتيقن الحدوث أثر شرعي بقاء فلا جدوى في التعبد بالحدوث بل يكون لغوا.
وإذا فرض أن محل البحث هو مورد ترتب الأثر بقاء، كما لو تحقق الطلاق في حضور من يقطع بعدالته ثم بعد مدة شك في عدالته حال الطلاق، فان ثبوت العدالة في حال الطلاق له أثر بقاء وفي حال الشك وهو زوال الزوجية فعلا بخلاف ما لو لم يكن عادلا فان أثره بقاء الزوجية بالفعل، وهكذا لو تيقن بأداء الصلاة الصحيحة وترتب عليه جواز الاكتفاء بها، ثم شك بعد ذلك في صحة صلاته، فان لصحة الصلاة في ظرفها أثرا بالفعل وهو جواز الاكتفاء بها في مقام الامتثال - أمكن أن يقال: بان الأثر الشرعي يشك في بقائه فعلا بعد اليقين بحدوثه وشكه في البقاء وإن كان مصحوبا بالشك في الحدوث لكون المفروض سراية الشك إلى الحدوث - إلا أن ذلك لا يمنع من صدق الشك في البقاء.
نعم موضوع الأثر قد لا يكون له بقاء كمثال الصلاة أو يكون له ولكن أثره الشرعي بالمشكوك أثر الحدوث لا أثر البقاء كمثال الطلاق.
إلا أن هذا ليس بمهم بعد أن كان الأثر مشكوك البقاء في جميع الفروض.
وإذا كان الامر بالنسبة إلى الأثر كذلك أمكن أن يقال بتطبيق الاخبار المتضمنة للتعبد بالبقاء على الأثر نفسه، فهو متيقن الحدوث سابقا، ويشك في بقائه فعلا، فيكون مشمولا للتعبد بالبقاء مع غض النظر عن حدوثه.
وبعبارة أخرى: إن الاخبار تتضمن التعبد بالمشكوك في ظرف الشك إذا كان مسبوقا باليقين، وهي بذلك كما تنطبق على موارد الاستصحاب تنطبق على موارد قاعدة اليقين بالبيان الذي عرفته فان الأثر متعلق للشك بالفعل بعد أن كان متعلقا لليقين فتتكفل الاخبار التعبد به.
نعم لا تشمل الموارد التي لا يكون الأثر مقارنا لحدوث الموضوع بل يكون متأخرا عنه وجودا كما لو فرض أن عدالة زيد يوم الجمعة موضوع لوجوب التصدق يوم الأربعاء، فإنه إذا شك يوم الأربعاء في عدالة زيد يوم الجمعة بعد أن كان متيقنا بها، فليس لديه شك في بقاء وجوب التصدق بل في حدوثه ولا يكون التعبد به تعبدا بالبقاء.
ولكن مثل هذا المورد نادر الوقوع فلا يضر الالتزام بخروجه.
هذا مع أنه بناء على جريان الاستصحاب في الحكم التطبيقي، يمكن أن يلتزم بنظيره هنا فإنه باليقين سابقا بالعدالة يوم الجمعة حصل لديه يقين بالوجوب التعليقي للتصدق، فيشك يوم الأربعاء في العدالة، يحصل لديه الشك في بقاء الوجوب التعليقي فيصح التعبد به، كما به في موارد الاستصحاب، ويصل إلى مرحلة الفعلية عند حصول المعلق عليه.
وجملة القول: إنه لا إشكال في شمول الاخبار لموارد قاعدة اليقين مع الاستصحاب لا من ناحية الموضوع وهو الشك ولا من ناحية الحكم وهو التعبد بالبقاء، إذ عرفت تعلق الشك في موارد القاعدة بالبقاء، كموارد الاستصحاب، كما أن التعبد فيها يمكن أن يكون بالبقاء من دون تعرض لحال الحدوث فلا يلزم اجتماع لحاظين ونحو ذلك.
هذا، ولا يخفى عليك أن المعتبر في موارد قاعدة اليقين هو اليقين السابق والشك اللاحق بحيث لا يجتمع الوصفان في زمان واحد.
وعلى هذا فقد يشكل شمول الاخبار لتلك الموارد بان ظاهر الاخبار ثبوت اليقين الفعلي كسائر الموضوعات المأخوذة في الاحكام فان دليلها ظاهر في موضوعية الوجود الفعلي للحكم، فقوله (ع): " لا ينقض اليقين بالشك " ظاهر في أخذ فعلية اليقين كالشك في حرمة النقض وهذا يختص بموارد الاستصحاب لوجود اليقين الفعلي بالحدوث والشك الفعلي في البقاء.
والجواب عن هذا الاشكال: إن ظاهر الاخبار أن المعتبر هو اليقين السابق بالشئ والشك اللاحق به سواء كان الشك متعلقا بالبقاء خاصة أو ساريا إلى الحدوث، فيعتبر أن يسبق اليقين الشك زمانا فلا عبرة باليقين المتأخر عن الشك أو المقارن له حتى في موارد الاستصحاب، ومقتضى ذلك اختصاص الاستصحاب بموارد يكون اليقين بالحدوث فيها سابقا على الشك في البقاء، فتكون الاخبار دالة على قاعدة عامة وهي إلغاء الشك المتأخر عن اليقين وهذه القاعدة ليست بقاعدة اليقين بالمعنى المصطلح
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 380 385 386 387 388 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الاستصحاب تعريف الاستصحاب 8
2 مناقشة التعاريف 10
3 التعريف المختار 11
4 الاستصحاب مسألة أصولية أو لا؟ 13
5 الفرق بين الاستصحاب وقاعدتي اليقين، والمقتضي والمانع 14
6 تقسيمات الاستصحاب 15
7 نفي جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستفاد من العقل 16
8 تصحيح الوجه الثالث وتعميمه للشبهة الموضوعية المصداقية 20
9 تعميم النفي للأحكام الوجودية والعدمية 22
10 الايراد على الشيخ والأصفهاني 23
11 تقريب جريان استصحاب العدم في مورد النسيان 24
12 اعتبار فعلية الشك والمناقشة فيه 26
13 أدلة الاستصحاب 33
14 الاستدلال بالأخبار 37
15 صحيحة زرارة الأولى 37
16 محتملات مفاد الصحيحة 38
17 في الاحتمال الأرجح 45
18 التفصيل بين الشك في المقتضي والرافع 50
19 معنى النقض 50
20 المختار في معنى النقض 53
21 مناقشتنا للكفاية في معنى النقض 57
22 امتناع تعلق النقض باليقين 58
23 امتناع تعلق النقض باليقين اثباتا 61
24 المجعول هو المتيقن لا اليقين 64
25 الاستصحاب في الشبهة الموضوعية 65
26 المختار في دفع الاشكال في جريان الاستصحاب المذكور 71
27 الاستصحاب في الأحكام الكلية 74
28 عدم الأثر لاستصحاب عدم الجعل 76
29 مناقشة كلام العراقي 78
30 عدم قابلية الجعل وعدمه للتعبد بهما 81
31 امتناع التعبد بعدم التكليف 83
32 هل الجعل يتبع المجعول سعة وضيقا 84
33 الاستصحاب في الأحكام الترخيصية والوضعية 90
34 صحيحة زرارة الثانية 90
35 الاستدلال بالفقرة الأولى 91
36 جعل الفقرة من التعليل بالصغرى 103
37 منع إفادة الفقرة لقاعدة اليقين 106
38 الاستدلال بالفقرة الثانية 107
39 صحيحة زرارة الثالثة 107
40 رواية الخصال 117
41 مكاتبة القاساني 120
42 رواية عمار 124
43 الأحكام الوضعية 133
44 الكلام في سبب التكليف وشرطه ونحوهما 134
45 منع جعل السببية استقلالا 134
46 الايراد على وجهي الكفاية 135
47 السببية منتزعة عن خصوصية واقعية 138
48 الكلام في جزء المأمور به وشرطه ونحوهما 141
49 استشكال العراقي الشرطية 142
50 في جريان الأصل في الجزئية وعدمه 143
51 الكلام في الحجية والملكية ونحوهما 146
52 الاشكال ثبوتا في جعل الملكية استقلالا 148
53 البحث عن مجعولية الصحة والطهارة ونحوهما 149
54 تنبيهات الاستصحاب التنبيه الأول: في جريان الاستصحاب في مودي الأمارات 151
55 التبيه الثاني: في استصحاب الكلي 159
56 استصحاب الفرد المردد 160
57 القسم الأول من استصحاب الكلي 166
58 القسم الثاني من استصحاب الكلي 166
59 استصحاب الكلي في الأحكام 171
60 الشبهة العبائية 174
61 تحقيق الحق في الشبهة 176
62 القسم الثالث من استصحاب الكلي 179
63 القسم الرابع من استصحاب الكلي 180
64 التنبيه الثالث: في استصحاب الأمور التدريجية 182
65 استصحاب الزمان وجهات الاشكال فيه 182
66 استصحاب الحكم في الفعل المقيد بالزمان 191
67 التنبيه الرابع: في استصحاب الأمور التعليقية 194
68 معارضة الاستصحاب التنجيزي للتعليقي 204
69 المختار في دفع اشكال المعارضة 208
70 الاستصحاب التعليقي في الموضوعات 210
71 التنبيه الخامس: في استصحاب عدم النسخ 211
72 التنبيه السادس: في الأصل المثبت 211
73 الأصل المثبت مع خفاء الواسطة 216
74 المناقشة في استثناء صورة وضوح الملازمة 218
75 الشك في أول الشهر وجريان الأصل فيه 221
76 الحكم بتضمين اليد المشكوك ضمانيتها 224
77 الامارات المثبتة 226
78 التنبيه السابع: جهات تتعلق بالأصل المثبت 229
79 الأثر المترتب على الأمر الانتزاعي 230
80 المنع في استصحاب عدم التكليف 232
81 التنبيه الثامن: حكم ما إذا كان اللازم لازما للأعم من الوجود الواقعي والظاهري 234
82 التبيه التاسع: اعتبار كون المستصحب مجعولا في مرحلة البقاء فقط لا الحدوث 235
83 التبيه العاشر: أصالة تأخر الحادث - مجهولي التاريخ 236
84 في اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين 243
85 المحاذير المختارة لعدم جريان الاستصحاب 257
86 جهالة تاريخ أحد الحادثين 265
87 تعاقب الحادثين المتضادين 272
88 جهالة تاريخ أحد الحادثين المتضادين 276
89 كلام للمحقق النائيني في المقام 277
90 التنبيه الحادي عشر: استصحاب الأمور الاعتقادية 290
91 استصحاب النبوة والإمامة 300
92 الايراد على تشبث الكتابي باستصحاب نبوة نبيه 301
93 التنبيه الثاني عشر: في استصحاب حكم المخصص 303
94 حول صورة لحاظ الزمان ظرفا 304
95 تلخيص كلام المحقق الأصفهاني 306
96 مناقشة مع المحقق الأصفهاني 309
97 التبيه الثالث عشر: في بيان المراد من الشك في الأخبار 316
98 استصحاب الصحة 318
99 استصحاب الهيئة الاتصالية 332
100 القاطع والمانع هل يختلفان أثرا؟ 335
101 هل الناقض قسم آخر غير المانع والقاطع 338
102 استصحاب الوجوب مع تعذر بعض أجزاء المركب 340
103 التفصيل بين تعذر الجزء قبل تنجيز التكليف وبعده 341
104 خاتمة: في شروط الاستصحاب اعتبار بقاء الموضوع وتفسير مفرداته 345
105 المختار في تفسير كلام الشيخ قدس سره 355
106 المختار في حكم الفرض المذكور 356
107 عدم جريان الاستصحاب في الموضوع 359
108 التفصيل في جريان الاستصحاب في الحكم 362
109 ما اختير من الطرق في تعيين الموضوع 370
110 هل يفرق في الاستحالة بين نجس العين وبين المتنجس 376
111 هل تستفاد قاعدة اليقين من أخبار الاستصحاب 380
112 الوجوه المختارة في امتناع استفادة القاعدة 390
113 الثالث من شروط الاستصحاب: أن يكون البقاء مشكوكا 394
114 الحكومة ضابطها وتعريفها 396
115 المراد من النظر ومن التفرع 402
116 وجه تقديم الحاكم على المحكوم وكذا أخواته 405
117 الوجه المختار في التقديم 412
118 تقديم الامارة على الاستصحاب بملاك الورود 417
119 دعوى التقديم بملاك الحكومة 422
120 تذييل: الالتزام بالورود انما يلتزم به في صورة قيام الامارة على الخلاف 435
121 ثمرة التذييل 437