الجهة الثانية: في وقوع الاشتراك لا ينبغي الإشكال في وقوع الاشتراك، وهو من الوضوح بمكان لا يترتب فيه أحد؛ لما ترى من وجود ألفاظ مشتركة في اللغات الحية العالمية؛ خصوصا في لغة العرب، التي هي المقصد الأسنى والغاية القصوى من هذه المباحث. ولعله لوضوح الأمر لم يتعرض سماحة الأستاذ - دام ظله - لهذه الجهة.
الجهة الثالثة: في كيفية وقوع الاشتراك ومنشأ حصوله ويظهر فيما مر وقوع الترادف.
قد يشكل في وقوع الاشتراك والترادف في اللغة: بأنه لأي سبب وضعت لفظة " العين " مثلا لسبعين معنى، ولم توضع لفظة أخرى إلا لمعنى واحد، مع أن دلالة الألفاظ لم تكن ذاتية؟ ولأي سبب وضعت للأسد أو الجمل - مثلا - ألفاظ كثيرة، ولم توضع للإنسان، مع أنه أشرف المخلوقات والاعتبار يساعد وضع ألفاظ كثيرة لما يكون أشرف؟
والذي أظنه في ذلك: هو أن الأمم - ومنهم الأعراب مثلا - كانوا في ابتداء الأمر طوائف وقبائل منتشرة في فسيح الأرض لم ترتبط إحداها بالأخرى. فلم تكونوا مرؤوسي رئيس واحد ومطاع أمير فارد، بل كانوا ملوكا وطوائف متعددين، وكان لكل طائفة وقبيلة واضع أو واضعون تخصها. فوضع كل طائفة ألفاظا لمعاني بمقدار احتياجاتها إلى تفهيمها وتفهمها؛ قلة وكثرة.
ثم بعد لحوق الطوائف بعضها ببعض، ومقهورية طائفة وقاهرية الأخرى،