ورابعا: أنه إذا لم يكن شئ منهما واجبا في حال العصيان فلا يكون واجبا في حال الامتثال أيضا.
والوجه في ذلك: هو أن كلا من العصيان والامتثال وارد على موضوع واحد، فيتحقق العصيان فيه مرة، والامتثال مرة أخرى، فإذا فرض أنه لم يكن واجبا في حال العصيان فلا يعقل أن يكون واجبا في حال الامتثال. مثلا: الصلاة قصرا إذا لم تكن واجبة في حال عصيانها فلا محالة لا تكون واجبة في حال امتثالها أيضا، ضرورة أنه ا: إما أن تكون في الواقع واجبة، أو ليست بواجبة فيه، فلا ثالث لهما.
وعلى الأول فهي واجبة في كلتا الحالتين، وعلى الثاني فهي غير واجبة كذلك، لوضوح أنه لا يعقل أن يكون وجوبها مشروطا بامتثالها والإتيان بها في الخارج، فإن مرده إلى طلب الحاصل واشتراط الأمر بالشئ بوجوده وهو غير معقول.
فالنتيجة: أن هذه النظرية لا ترجع إلى معنى محصل أصلا.
المذهب الثاني: هو أن يكون كل من الطرفين أو الأطراف واجبا تعيينا ومتعلقا للإرادة، ولكن يسقط وجوب كل منهما بفعل الآخر، فيكون مرد هذا القول إلى اشتراط وجوب كل من الطرفين أو الأطراف بعدم الاتيان بالآخر.
وقد صحح هذه النظرية بعض مشايخنا المحققين (قدس سرهم) بأحد نحوين:
الأول: أن يفرض أن لكل واحد منها مصلحة ملزمة قائمة به. مثلا: للصوم مصلحة الزامية قائمة بنفسه وتقتضي إيجابه، وكذا للعتق والإطعام، فالقائم بها مصالح متباينة لا متقابلة بحيث لا يمكن الجمع بينها، وبما أن تلك المصالح لزومية فلذا أوجب الشارع الجميع، ولكن مصلحة التسهيل والإرفاق تقتضي تجويز الشارع ترك كل منها إلى بدل، فلذا أجاز ترك كل منها عند الإتيان بالآخر وامتثال أمره.
ونتيجة ذلك: هي أنه إذا ترك الكل فلا يعاقب إلا على ترك ما لا يجوز تركه وهو ليس إلا الواحد منها وإذا فعل الكل دفعة واحدة كان ممتثلا بالإضافة إلى الجميع واستشهد على ذلك بأنه ربما لا يكون ارفاق في البين فلذا أوجب الجمع بين الخصال كما في كفارة الافطار بالحرام.