وأما فيما إذا لم يعلم ذلك من الخارج فلا يحكم بصحة الواجب وسقوط الأمر عنه وحصول الغرض، وذلك كتكفين الميت - مثلا - فإنه واجب توصلي، فمع ذلك لا يحصل الغرض منه بتكفينه بالكفن المغصوب، ولا يحكم بسقوط الأمر عنه، بل هو من موارد اجتماع الأمر والنهي.
ومن هنا ذكرنا في بحث الواجب التوصلي والتعبدي: أن الواجب التوصلي على أقسام: منها: ما لا يترتب الغرض على مطلق وجوده في الخارج، بل يترتب على وجوده الخاص، وهو: ما إذا لم يكن في ضمن فرد محرم، أو لم يصدر من المجنون أو الصبي، وإلا فلا يحصل الغرض منه، وذلك كتحنيط الميت - مثلا - فإنه واجب توصلي، ومع ذلك لو أتى به الصبي أو المجنون لم يكن مجزيا (1).
فما أفاده (قدس سره) من أن الواجب إذا كان توصليا يحصل الغرض منه بإتيان المجمع لا يمكن تصديقه بوجه.
وبكلمة أخرى: قد سبق منا غير مرة: أن القول بالامتناع يرتكز على وحدة المجمع وجودا وماهية (2)، وعليه فحيث تقع المعارضة بين إطلاق دليلي الأمر والنهي فلابد من الرجوع إلى مرجحاتها، وبعد ملاحظة المرجحات إذا قدمنا إطلاق دليل النهي على إطلاق دليل الأمر فمعناه: أن المجمع مبغوض للمولى ومحرم في الواقع فحسب، وليس مصداقا للواجب واقعا وفي نفس الأمر.
هذا فيما إذا علمت الحرمة واضح، وكذلك مع الجهل عن تقصير أو قصور فإن الأحكام الواقعية ثابتة لمتعلقاتها في الواقع، ولا دخل لعلم المكلفين وجهلهم بها أبدا ضرورة أنها لا تتغير بواسطة جهل المكلف بها، فلو كان شئ حراما في الواقع وكان المكلف جاهلا بحرمته فلا تتغير حرمته بواسطة جهله بها، وهذا واضح.
ومن ناحية أخرى: أن الحرام لا يعقل أن يكون مصداقا للواجب وإن فرض كون المكلف جاهلا بحرمته بل معتقدا بوجوبه، ضرورة أن الواقع لا ينقلب عما هو عليه.