وجه الظهور: هو أن الطارد للعدم الأزلي - المعبر عنه بالعدم الكلي - هو الوجود الأول على الفرض. ومن المعلوم أن عدم هذا الطارد - أي: طارد العدم الكلي - هو عدم ذلك الوجود الأول، لا عدمه وعدم الوجود الثاني والثالث والرابع.... وهكذا، ضرورة أن نقيض الواحد واحد فلا يعقل أن يكون نقيض الواحد متعددا.
نعم، عدم الوجود الأول يستلزم بقاء أعدام سائر الوجودات على حالها، لا أنه عينها.
ولعل منشأ هذا التوهم: الغفلة عن تحليل هذه النقطة، وهي: أن عدم الوجود الأول - الذي هو أول ناقض للعدم الأزلي - يستلزم بقاء أعدام سائر الوجودات على حالها، لا أن عدمه عين أعدام تلك الوجودات ليكون لازمه التقابل بين الطبيعة الموجودة بوجود واحد، والطبيعة المنتفية بانتفاء جميع وجوداتها، وقد مر استحالة ذلك، فإن لازم ذلك هو أن يكون نقيض الواحد متعددا، وهو محال.
فالنتيجة على ضوء ما ذكرناه قد أصبحت: أنه لا أصل لما اشتهر في الألسنة من جعل الطبيعة الملحوظة على نحو توجد بوجود فرد منها مقابلا للطبيعة الملحوظة على نحو تنتفي بانتفاء جميع أفرادها، لما عرفت من استحالة المقابلة بينهما، فإن وجود الواحد طارد لعدم الطبيعة الموجودة في ضمنه، لا له، ولعدم الطبيعة الموجودة في ضمن غيره، بداهة أن الوجود الواحد لا يعقل أن يكون طاردا لعدم الطبيعة المطلقة السارية إلى تمام أفرادها، كما هو واضح.
قد يقال: إن صرف الوجود الذي يتحقق بوجود واحد وصرف الترك الذي لا يمكن إلا بانعدام الطبيعة بجميع أفرادها إنما هو من جهة أن بين الأفراد وحدة سنخية، وتلك الوحدة السنخية هي الجامع بين الوجودات والكثرات، ولا شك في حصول ذلك الجامع بحصول كل واحد من الأفراد والوجودات.
أو فقل: إن الوجود السعي بين الوجودات كالطبيعة اللابشرط بين المفاهيم، فكما أن تلك الطبيعة تصدق وتنطبق على كل فرد من أفرادها فكذلك ذلك الوجود السعي، فإنه ينطبق على كل وجود من الوجودات.